يقدِّم جلعاد عتسمون سرداً شائقاً وآسراً لرحلته من قومي إسرائيلي متطرِّف إلى مواطن للإنسانية تجرَّد من الصهيونية، وبات مدافعاً متحمِّساً عن العدالة من أجل الشعب الفلسطيني· إنها قصّة تحوّل يرويها بنزاهة مطلقة، بحيث يتعيّن على كلّ أولئك (خصوصاً اليهود) المهتمّ
قراءة كتاب من التائه؟
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
مدخل
كان جَدّي شخصاً كاريزمياً شاعرياً، إرهابياً صهيونياً مُخضرماً· وبوصفه قائداً بارزاً سابقاً في منظمة الإرغون(1) اليمينية الإرهابية، يجب أن أعترف بأنه كان له تأثيرٌ هائلٌ عليّ في سني نشأتي الأولى· لقد أظهر ازدراءبالغاً لأي شيء ليس يهودياً؛ فكَرِهَ الألمان، ولم يسمح بالتالي لوالدي بأن يشتري سيارةً ألمانيةَ الصنع· كما احتقر البريطانيين لأنهم استعمروا أرضه الموعودة بيد أنني أعتقد أنه لم يزدرِ البريطانيين بالدرجة ذاتها التي ازدرى فيها الألمان، ذلك أنه سمح لوالدي بقيادة سيارة قديمة من طراز فوكسهول فيـفا، إنجليزية الصنع·
كذلك، كان جَدّي شديد الغضب من الفلسطينيين الذين يعيشون على الأرض التي كان واثقاً أنها تنتمي له ولشعبه· وغالباً ما كان يتساءل: هؤلاء العرب لديهم دولٌ كثيرة، فلماذا يجب أن يعيشوا على الأرض ذاتها التي وهبها الله لنا؟ على أن جدّي كرِهَ اليساريين اليهود أكثر من أي شيء· هنا من المهم الإشارة إلى أنه بما أن اليساريين اليهود لم يصنعوا سيارةً من طراز معروف، فإنّ هذه الكراهية تحديداً لم تتطور إلى صراع مصالح بينه وبين أبي·
ولأن جدي كان من أتباع زئيف جابوتنسكي، اليميني الصهيوني التصحيحي(2)، فمن الواضح أنه أدرك أن الفلسفةَ اليسارية بجانب أي شكل من أشكال منظومةِ القيم اليهودية أمرٌ ينطوي على تناقض· وباعتباره إرهابياً يميناً مخضرماً وصقراً يهودياً معتدّاً بذاته، عرف تماماً أن القبَليّة لا يمكن أن تعيش بسلام مع الإنسانية والكونيّة· وحيث إنه تشرّب مبادئ معلِّمه ومرشده جابوتنسكي، فقد آمن بفلسفة الجدار الحديدي وعلى غرار جابوتنسكي، احترم جدّي الشعب العربي، مُظهِراً تقديراً لثقافتهم وديانتهم، إلا أنه آمن أنه لا بدّ من مواجهة العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، بجسارةٍ وضراوة·
مستشهداً بنشيد الحركة السياسية لجابوتنسكي(3)، لطالما كان جدّي يردّد:
من حفرة العفن والتراب
بالدم والعرق
سوف ينهضُ لنا عرقٌ
فخورٌ وكريمٌ وعنيف