كتاب "ساعة زوال" مجموعة قصصية للكاتب العماني محمود الرحبي، تضم 17 قصة تباينت في الطول والموضوع، وتباينت في الأسلوب أيضا، حيث تنقل الرحبي بين أسلوب القصة الكلاسيكي والحداثي، مفي مجموعته هذه يمزج الرحبي بين الخيالي والواقعي والاسطوري في تجليات إنسانية تحدث ف
أنت هنا
قراءة كتاب ساعة زوال
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 3
أكملت تأملي للبيت، مداخل الغرف التي بلا أبواب، السلم الحجري الصاعد طوليا بلا انحناءات والذي يفرض على من يصعده – حتى لا يسقط هاويا على ظهره – بأن يصعده مربوعاً مستعينا بيديه ورجليه أو متشبثا بأغصان شجرة غاف تداعب الريح رأسها المشرع للسماء.
لكن عبارته الملتبسة (أحتاجك في أمر) ما فتئت تتوهج وتخفت في رأسي لتقطع علي أي تأمل هادئ تترجمه عيناي، فأي أمر مهم يحتاجني إليه رجل أراه لأول مرة؟
هل أرادني فراشا تحت جسده؟ أم غطاءً فوق ظهره؟ فهو يعيش وحيدا.
و هل علي الهرب أم انتظاره قليلا لأتيقن من شكوكي؟ كان جسدي يستجيب لنقرات تلك الأسئلة في هيئة توثبات خافتة تحفزني على الهروب ثم على الثبات مطمئنا في مكاني، وقد ظللت صريع حيرتي تلك، إلى أن برق تسبقه ابتسامة وادعة تحوم كفراشة بيضاء حول وجهه، وصحن به طعام وإبريق شاي وكأسان:
- لقد تعودتُ على فعل كل شيء بمفردي، كانوا يسمونني في البحرين بالطّباخ الأعمى، هل جربت أن تطبخ وأنت مغمض العينين طوال الوقت، أنا كنتُ أفعل ذلك أحيانا لأتسلى، فحين تعيش وحيدا عليك أن تبتكر أشياء تبعثر بها وحدتك، لذلك أشتاق كثيرا أن يكون لي أبناء رغم خوفي من ذلك في هذا العمر، فكل يوم يخرج فيه عشرات الأطفال تتبعهم عشرات الأسامي، ولكن من يهتم؟.. إن الآباء وحدهم من يحملون وزر كل ذلك، وكان هذا أكثر ما جعلني لا أفكر في الزواج. ولكن لا بد في النهاية من ذلك ولابدَّ كذلك من أطفال، فمهما صبرنا عنهم فإنهم سيتبعوننا حتى ونحن غاربون إلى القبور. ألم تسمع قصة الصياد وذئبة البحر؟ إنها قصة حقيقية، مازال بعض أصحابها يعيشون بيننا.
صَبَّ لي كأسا ساخنا ثم عدّل من جلسته وأفرد وركيه ونبس كلامه باسترخاء، مسرحاً عينيه وكأنما يملأ حديثه من بركة غائرة في النسيان:
كان هناك صياد أفنى حياته في البحر، ولكنه حين كبر ألحّتْ عليه رغبة الزواج، فتزوج من ابنة صديقه، وبعد ذلك ألحّتْ عليه رغبة في أن يكون له ولد، انتظر طويلا حدوث ذلك، إلى أن جاءه اليوم الذي حبلت فيه امرأته، فأحس حينها بأنه بدأ يعود للوراء، إلى سنيّه الغاربة، فملأت القوة جسده والأمل بحياة أطول.