أنت هنا

قراءة كتاب الملوك الهاشميون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الملوك الهاشميون

الملوك الهاشميون

في هذا الكتاب يستعرض المؤلف جيمس موريس، تاريخ العلاقة بين الهاشميين والبريطانيين منذ بدء الثورة العربية، ونشوب القتال في صحارى الحجاز، إلى عهد الملوك العِظام في العراق والأردن، حتى يصل إلى مذابح بغداد عام 1958.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
الملوك الهاشميون حتى عام 1958
 
(فترة موضوع الكتاب)
 
 
 
بعد ظهر ذات يوم، من ربيع عام 1914، شعر الأمير عبد الله بن الحسين النجل الثاني لشريف مكة، أن واجبه يحتم عليه زيارة الماريشال اللورد كتشنر، المندوب السامي البريطاني في القاهرة، وكان الأمير شاباً عربياً، فطناً وكثير الإحساس، ملولاً من الدسائس والرعونات السياسية، بينما كان المندوب البريطاني، حاضر البديهة، تدعمه، مفاخر الإمبراطورية، وأعمالها الجليلة. وبحث الأمير عن وسيلة مهذبة، يتمكن عن طريقها من تفادي مقابلة اللورد، مع أداء الواجب في الوقت نفسه، فقرر أن يقوم بالزيارة في وقت تتفق جميع التكهنات، على أن اللورد لن يكون موجوداً فيه في بيته. ولكن مع الأسف، ما كادت عربة الأمير تجتاز الأبواب الحديدية لدار الاعتماد ذلك اليوم، وما كاد الأمير يستعد للهبوط منها لإيداع بطاقته، والعودة من حيث أتى، حتى رأى في مدخل الدار اللورد كتشنر، بشاربه التقليدي وعينيه البراقتين، واقفاً وكأنه صورة الضمير أو الخلق، أو شخصية كنسية عظيمة.
 
ومن هذه المقابلة، التي لم يكن الأمير راغباً فيها، ومن المحادثات التي تلتها، والألفة التي نشأت بين الأمير والقائد، ومن الاتفاقات التي أبرمها الرجلان، والروابط التي أقاماها بين إنكلترا والعرب، ظهرت الممالك الهاشمية الثلاث. وقد ولدت هذه الممالك في ظلال إمبراطورية في طريق الفناء، ومن حقب مثلت الأيام الأخيرة في وجود نواب الملوك في الهند، أولئك الذين ظلوا أربعين عاماً أصدقاء بريطانيا، وحلفاءها، وحراسها وزبائنها، ومتقاعديها، ومصدر حيرتها وارتباكها. وعندما كانت هذه الإمبراطورية في أوج قوتها، كانوا في راحة وأمان، ولكنها عندما سارت في طريق العجز، تفتتوا، وفقدوا معناهم.
 
كان اللورد كتشنر قد قال لزائره وهو يودعه في ذلك اليوم: «إذا حدث واحتجت إليّ في يوم من الأيام، فأرجوك أن تبلغني». هذا هو العرض الذي ظل قائماً أربعة أجيال. وهو يمثل موضوع هذا الكتاب ومغزاه.
 
* * *
 
تقوم أرض الحجاز المقدسة على الساحل الغربي من الجزيرة العربية، إلى الجنوب من الأردن والشمال من عسير واليمن. ومع أن هذه الأرض قاحلة، جرداء، غير نافعة، إلا أنها مقدسة لدى المسلمين قاطبة، لأنها ترنو إلى مهد الإسلام، وأجيال وقرون خلت قبل ظهور الرسول محمد (ﷺ).
 
كانت مكة، عاصمة هذا البلد، موئلاً للحجيج، قبل الإسلام، يفدون إليها، للتبرك بما فيها من أصنام ومقدسات في مقدمتها العزّى الذي تُقدَّم إليه الأضاحي من أباعر وغيرها، وهبل، الذي جاء من بلاد ما بين النهرين حاملاً ذراعه الذهبية، ويتمتع بقداسة العرافة والكهانة. وعاشت قبيلة قريش، في مدينة مكة أجيالاً طوالاً، تثري جيلاً بعد جيل، وتزداد قوة حقبة إثر حقبة، نتيجة علاقاتها التجارية من ناحية وحمايتها للحجيج من الناحية الأخرى.
 
وكان الرسول محمد (ﷺ) نفسه، ينتمي إلى قريش، وعندما قام دينه الجديد، يحطم أوثان قريش وأصنامها القديمة، حصلت عشيرته على امتياز جديد. فالكثير من الامتيازات كانت تمنح لذرية الرسول، وفي مقدمتها لقب الشرفاء. وكانوا كثيراً ما يرتدون العمائم الخضراء للدلالة على عراقة نسبهم، وأصبحوا يؤلفون طبقة خاصة بهم، تقف في منتصف الطريق بين كهنوت رجال الدين في عُرفنا الكنسي، وبين طبقة النبلاء في نظامنا الإقطاعي، وظلوا، وهذا أهم ما يميزهم، يحكمون الحجاز ويسيطرون عليه. وكان أبرز هؤلاء الشريف الأكبر أمير مكة، الرئيس الدنيوي للمنطقة، ومنصبه وراثي يتناقله الأبناء عن أسلافهم، وكلهم من أعضاء أعرق العتر الشريفة نسباً، عترة بني هاشم، التي تتصل بالرسول عن طريق ابنته فاطمة الزهراء.
 
ولهذه العوامل، كان الهاشميون، سادة السادات، والطبقة الأرستقراطية للأرستقراطيين، أعظم أسر الإسلام حسباً، ويحافظون على أولويتهم. رغم ما طرأ على الشؤون العربية في مختلف الأزمنة من ارتجاجات وذبذبات. وقد تمكنوا بفضل ما كانوا يوزعونه من أموال وصدقات، من إقامة سيطرة زمنية على بعض القبائل البدوية التي كانت تجوب أرض الحجاز، واستطاعوا في اللحظات الحرجة، أن يحشدوا الأنصار من البدو الأقوياء لحمايتهم. وتحدوا جميع المتطفلين الأجانب، وسارت قافلتهم عبر التاريخ تغذ سيرها سلسلة طويلة من المصائب والجرائم. فالكثير منهم، من قُتل أو خُلع، والبعض منهم، من وُشي به، أو سُجن، وهم بين ماكر بهم، أو مخادع لهم، أو مُتحَدٍّ. وكان بعضهم على جانب كبير من الورع والتقوى.

الصفحات