لو تحدثنا عن جسد المرأة من موقع المغايرة، أي بوصفه جسداً له عالمه الخاص، لتبدَّى لنا أن جُل ما كُتِب باسمه أو حوله في التاريخ، وما يتردد حوله لا يمثّله، ليس في اعتباره العصيَّ على النظر والظفر بمعلومة" مجرد معلومة" تفيد في مقاربته ومكاشفته، وإنما لأن الأدبي
أنت هنا
قراءة كتاب الجسد البغيض للمرأة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
جسد المرأة
لو تحدثنا عن جسد المرأة من موقع المغايرة، أي بوصفه جسداً له عالمه الخاص، لتبدَّى لنا أن جُل ما كُتِب باسمه أو حوله في التاريخ، وما يتردد حوله لا يمثّله، ليس في اعتباره العصيَّ على النظر والظفر بمعلومة" مجرد معلومة" تفيد في مقاربته ومكاشفته، وإنما لأن الأدبيات المتعلقة به تكاد تخرجه عن نطاق ما يمّيزه، بوصفه موضوع الآخر، حتى بالنسبة للتي تعتبر نفسها هي المعنية به والأقدر على كشفه والمؤهَّلة لتمثيله، ككاتبة أو باحثة في الشأن الجنساني، بما أن ما تلقفته من ثقافة رائجة، واستوعبته من معلومات محيطية، وتصورات تاريخية مختلفة، يحمل في العمق إمضاءة المغاير لها: الرجل، ولكنه المغاير السلبي، وهو يزعم معرفته بها أكثر من معرفتها بذاتها، أي بجسدها، وأن ملفوظها الكلامي يبقينا على تواصل حِرفي وعقيدي وعُرفي باللغة التي لم تكن يوماً حيادية، بقدر ما تتعزز من خلال مقوّمات قوة وسيطرة جنسانيتين..
أليس لأن لدينا تاريخاً كاملاً، يمكن مقاربته من هذا المنظور، حيث يتبدى جسد المرأة ساحة كبرى لتمرير رهانات أو رصدها أو استيلادها، بقدر ما يستحيل عبئاً على ذات المرأة، بقدر ما يكون الفاعل التاريخي المعرَّف به ذكراً، وهو ينوّع في شيئنة جسدها، باعتباره العائد إليه، لحظة استعادة تاريخ مؤسطر، أي يكون مرجعه "ضلعه المثمَّن والملغوم!" حتى اللحظة كثيراً.
وفي الوقت نفسه، فإن هذا القول لا يمثّل نفياً لكل قيمة ممكنة في بنية الكتابات المختلفة التي تتعرض للمرأة جسدياً، بقدر ما يكون اعترافاً بجميلها التاريخي والأخلاقي والجمالي، الجميل الذي يشكّل في واجهة المجابهة النقدية شاهد عيان على خاصية اللاخاصية الجسدية المعطاة للمرأة، وهو ما يجعل من هذا الموضوع ساحة رهانات وتداخل أوجه خطاب بأكثر من معنى، كون المعرَّف والمأخوذ به من كلا الفريقين، إن جاز التعبير، جنسانياً، يبقي الجسد مقصياً عما هو مميَّز به، ويغدو الحديث عن شبح الأصل دعوى مشرعنة، أو حجاجاً كلامياً لإبقائه في حالة إرجاء، مع التأكيد على أن منطوق القول الذكوري أقرب إلى حقيقته المعبّرة عن الذكوري فيه، وربما على علم ضمني بوجود لعبة متجددة، في نطاق المدة الطويلة تاريخياً، ليكون سيّد الكلام ممثّل المرأة، مدركاً للمغاير فيها، خلاف منطوق القول الأنثوي كثيراً، وهو في حداثة عهده بالخطاب الأدبي أو الفكري أو التاريخي مقارنة بالآخر، ذلك المنطوق الذي ينسِب إلى نفسه في الكثير من صولاته أو جولاته الكلامية أنه قاب قوسين أو أدنى مما هو عليه كمختلف جسدياً، بينما ثمة لائحة كاملة من الصياغات الإنشائية والتصورات البلاغية واستلهامات المعنى، ومن داخل اللغة وهي في عليائها الأوليائية، وما يعينها على تفعيل مأثورها القيمي، حيث يظل الجسد الأنثوي في اعتباره "البغيض" تقديراً أو كمحصّلة استقراء للسائد، محيلاً إياها إلى حاضنة الآخر، أعني الذكر نفسه، مما يبقي المجال مفتوحاً للمزيد من النكبات التي تنال من حقيقتها..