قراءة كتاب للعمر صداه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
للعمر صداه

للعمر صداه

رواية "للعمر صداه" للكاتبة الفلسطينية د. انتصار خضر الدنان، نقرأ من مقدمتها:
ليست الحياةُ طريقاً واحداً تسير فيه الشعوب، وليس الموت أو الشهادة نهاية أجل الإنسان، إنما هناك إناسٌ كثر ميّتون وهم ما زالوا على قيد الحياة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
موتٌ بلا حدود
 
وأخيراً أسقط اللّيل همساته الأخيرة لينثرها نجوماً تتلألأ على صفحة خدّيها خجلاً من عمرها المبعثر هنا وهناك؛ لترقد بين جفنات الليل الباهت الذي أطبق بظلامه على حياتها كلّها الرّقدة الأخيرة، في قـصرٍ عاجيٍّ لا يشبه إلاّ تعاريج قلبها الّذي فارقته نبضات الحياة.
 
اقتيدت إلى قصرها، كالجندي المهزوم العائد من أرض المعركة يجرّ أذيال خيبته خلفه، فحالها يشبه حاله.
 
أسدل العمر ورقاته الأخيرة عليها، وطوى الزّمن الّذي طالما فرح لنغماتها وغنّى لكلماتها صفحات من الأمل والحبّ، وكـسّر برعمها الملون المزهوّ بأجمل ألوانه.
 
دخلت غرفتها كالنّعجة المذبوحة تدبّ على مقلتيْها دبيب الروح المتخبطة ببعضها البعض، وتنزف الجرح اليتيم الذي عاش داخلها منذ أن فارقتها أوراق ورودها، وتسكبه في أكواب صدئت أفواهها، وتعفّنت في الزوايا المهجورة في بركان من الدّمّ، وصوت الرّصاص ما زال يدوي في أذنيْها كالصّواعق ترتدّ إليها نحيباً وعويلاً.
 
هي في دوّامة تتخبط في أمرها، قد يكون الأمر ملتبساً عليها، أو تكون في حلم من أحلام اليقظة. تدور حول نفسها، أم أنّ الغرفة هي الّتي تدور بها، لتأخذها من عالمها الأرضي إلى عالم آخر لا تعلمه. لا تعلم شيئاً، لا تدري، الخوف يختلج صدرها، والدّمع محبوس في مقلتيها يأبى الاستسلام.
 
 
 
كلّ ألوان الزّينة محاطة بها، الأضواء الملونة، الـشرائط المزهوة، الحوائط المزركشة، ولكنّها لا ترى منها غير ذلك السّواد الصّاخب الّذي كتبه لها القدر زوجاً تجهل معالمه، صورته، نبرته، قلبه.
 
غاب الحبيب عنها في تأوّهات العمر بكلّ سوداويّاته. الذّكرى عنّت على بالها، واستحضرته معها في غرفتها المتماوجة بكل ألوان الزينة، هو الآن، اليوم، الماضي، المستقبل، هو العمر الضّائع هنا، في هذا المكان الضّيّق، والخوف يعتصرها ألماً وحزناً، على ماضٍ قريب ومستقبل بعيد.
 
دخل الزّوج المنتظر، وفي أفكارها الحبيب يروح ويجيء، تناجي عيونه عيونها، أن لا تذبحه مرّتين.
 
الغرفة بدت كغيمة شتاءٍ سوداء تتأهّب لبرقٍ ورعدٍ، وصبِّ مطرٍ سيّالٍ من السّماء، مطر ليس للارتواء، بل هو غضب من الزّمان على قلبها المجروح المملوء حزناً أبديّاً، هو لصبّ الزّيت الملتهب فوق الجرح الأليم الّذي ما انطفأ لهيبه؛ ليزداد اشتعالاً والتهاباً، وجمراً يكوي موضع الألم.

الصفحات