قراءة كتاب للعمر صداه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
للعمر صداه

للعمر صداه

رواية "للعمر صداه" للكاتبة الفلسطينية د. انتصار خضر الدنان، نقرأ من مقدمتها:
ليست الحياةُ طريقاً واحداً تسير فيه الشعوب، وليس الموت أو الشهادة نهاية أجل الإنسان، إنما هناك إناسٌ كثر ميّتون وهم ما زالوا على قيد الحياة.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
المكان دار بها مرّةً ثانيةً، لم تعد تشعر بما يدور حولها، ولم تشعر بنفسها إلاّ وهي ملقاة فوق بساطٍ أحمر، ارتعشت من هول مصابها، وغابت عن الإدراك مرّة ثانية.
 
استفاق الزّوج على يومٍ جديد، حلم حقّقه وروى ظمأه المستدام من النعجة التي تدرّ له الحبّ بمدرار العمر الصّامت. مع صبيحة يومها الجديد ارتدت السّواد وشاحاً لأهدابها الخـضر الّتي ذابت حنيناً لعمرها الماضي، وحبّها الأوحد الّذي لن يغيب في الضّباب القاتم، وأطبقت جفنيْها السّمراوتين لتبقى صورة ميعادها مع الزّمن أملاً يعيش داخلها، ولتدفن أحلامها تحت التّراب المرويّ بدمع عينيّها، أو في خزانة عتيقةٍ تتعفّن في داخلها الأحلام الورديّة، وتصدأ أوراقها البيض الّتي كتبتها حبّاً للغريب الّذي عبر حياتها ورحل، للحبيب الّذي أخافها منظره حين رأته لأوّل مرّة. ارتعشت منه وخافت وصرخت، وقالت: من أنت؟
 
علّمها البطولة ونزع الخوف من قلبها، علّمها الحريّة كيف تكون، لكنّها لم تستطع إلا أن تكون مستعبدة لميراث عقليّ قديم.
 
شاهدته في المرّة الأولى وهو يرتدي البزّة العسكريّة، مدجّجاً بالسّلاح، فدائيٌّ فلسطيني انتزع العدوّ من قلبه الخوف، وزرع بداخله القوة والجأش والبطولة ونزع أرضه التّي سلبها عنوة، نزعها من بين براثن الصخور.
 
ذهبت لتشتري له بعضاً من الطّعام، ليأكل قبل أن يذهب إلى الأراضي المحتلة لينفذ عمليّته البطوليّة ويختفي. عادت وقدّمت له الطّعام تحت شجرة المنزل (الزّيتونة) الوارفة الظّلال، انتهى من تناول طعامه وانتفض من مكانه بسرعة، فقد غابت الشّمس، وأرخى اللّيل سدوله على فصول حكايتهما، جهّز نفسه، وقبّلها قبلة الوداع وانطلق نحو هدفه. انطلق لتنفيذ عمليّة فدائيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة، والهدف مستوطنة صهيونية. مستوطنة استوطنت قلوب بيوت فلسطينيين، حُرموا من بيوتهم.
 
انتظرته كثيراً، لكنّه لم يعد، فأغلقت خزانتها على فساتينها المزركشة على حبيبٍ قد كانت يوماً له، على الحبيب الغائب الّذي تاه وسط ركام الحياة الخائبة، وخلف قضيّة ما زالت إلى اليوم قضيّة شعب هده التّرحال والسّفر.
 
رحل خلف البحر بحثاً عن متنفّسٍ يستطيع من خلاله أن يحيا إنساناً، أن يحرّر الإنسان وكانت هي مأسورة خلف قضبان ذاك النّسيان وذاك الزّمان، وصارت مرآة للأحزان.
 
هي غفوة الصّباح على ضوء القمر النّاعس تحت الضّباب تكلّل الأفق إشراقاً وبهجةً وضياء.
 
بدأت أو انتهت حياتها مع ذاك الزّوج الّذي لم ترَ فيه إلّا رجلاً ممتلئاً شهوةً أمام ذاك الجمال، لا يهم، لا يهمها كيف يكون، فهي اعتادت أن تتغاضى عن مشاعرها وتنـسى قلبها في زحمة العمر، لا يهم، فالصّباح شروقه ما عاد يعنيها، فـشروقه أو عدمه سيّان، وغروب الشّمس الممتلئ بآهات التّعب اليوميّ صار مملاً، فهو دائماً في غروب.
 
السّنوات مرّت سريعاً، وآثار العمر بدأت تتراكم فوق أطلالها البالية، وتجاعيد العمر خطّت آثارها على ملامحها.

الصفحات