كتاب "المخفي أعظم- قراءات ورؤى"، كتاب نقدي للكاتب الأردني هاشم غرايبة، الصادر عام 2002 عن المؤسسسة العربية للدراسات والنشر، نقرأ من أجوائه:
أنت هنا
قراءة كتاب المخفي أعظم - قراءات ورؤى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
المخفي أعظم - قراءات ورؤى
الصفحة رقم: 6
ممر إجباري
ذات ليلة، نام السجناء مبكرين ليصحاو مبكرين (للتفرج) على إعدام أحدهم بحبل المشنقة في الصباح الباكر، وبقيت ساهراً أقرأ الجبرتي ومتابعته اليومية لدخول نابليون الجامع الأزهر، مترافقاً مع ولادة جدي برأسين في حي بولاق··· وهاجس إعدام رجل في الصباح يلوح في المخيلة مثل الشبح المعلق فوق رؤوسنا··· وبراءة وجه عماد ملحم الذي أمدني بتصورات الطائفة الدرزية عن تناسخ الأرواح ··· وحدثني عن الطفلة التي (نطقت) متحدثة عن حياة أخرى عاشتها في زمن غابر، والأقانيم المقدسة : العقل والنفس والروح ··· وما يمثلها على الأرض، وكتاب الحكمة المحفوظ داخل شجرة ضخمة في (خلوات البياضة) جنوب لبنان· عن يميني (علي الطويسي) الذي صور لي البتراء من الداخل وتحدث لي عن سكانها (عرب البدول) وغرائبية واقعهم وطرق معايشتهم لأساطير المكان·· وحدثني عن البدو وعاداتهم ومعتقداتهم وتاريخهم في مدينة البتراء·
أي فنتازيا تراثية تجمعت داخلي تلك الليلة وكيف ستخرج؟!
في السجن كنا نتلهف لقراءة الكتب الثورية ولكن المتاح (بهدف الإصلاح) كتب التراث فتجاور الغزالي وابن رشد، واصل بن عطاء وأحمد بن حنبل، محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، أبو الأعلى المودودي والنفري وابن عربي ثم قرأنا الأغاني، وسيرة الملك سيف بن ذي يزن والف ليلة وليلة والشاه نامة وتغريبة بني هلال ··· فرصة نادرة وممر إجباري نحو ثقافة السلف· والوقت كاف لأكثر من هذا·
كانت نجمة الصباح تتألق فوق خلوات البياضة حين أيقظ سرها صليل قيد الجنود الأسرى· ومجلس شيوخ العقل ينفض من حول الشجرة إلى لقاء، وكنت أنا، صاحب السر، الرواي، حالاًّ في شيخ شيوخ العقل، أقرع السن وأصرخ بالناجي والماجد والغسان، فتلت شاربي الكبيرين وأعدت الأقانيم السبعة تمتمة تطارد عسعسة الليل، العلي، البار، أبو زكريا، عليا، المعل، القائم، العزيز···· مدد يا مولاي مدد·
الموروث الشعبي يتسرب إلى لحظتنا كما السحر، فنرى في الزمن الراهن أثر العادات والتقاليد والمعتقدات والديانات التي مرت منذ أشعل الإنسان البدائي النار بواسطة الحجر إلى غزو الفضاء، تتجاور وتتحاور··· لا شيء يجبّ ما قبله، بل السابق يطبع أثره باللاحق والحاضر يتزوج الماضي لينجب شيئاً جديداً للغد·