أنت هنا

قراءة كتاب مداخلات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مداخلات

مداخلات

كتاب "مداخلات"، يقول نعوم تشومسكي إن حرية التحدي الفوة ليست فرصة فقط بل هي مسؤولية .وطوال السنوات العديدة الماضية دأب تشومسكي على كتابة مقالات لمؤسسة نيويورك تايمز ليقوم بتلك المسؤولية : تحدي القوة ، وكشف التبعات العالمية للسياسة والاعمال العسكرية الاميريكي

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

تقديم

بقلم: طارق علي
استند إلى حوار - تم تحديثه الآن، مع نعوم تشومسكي في سانتا في ، نيومكسيكو، 26 كانون الثاني 2005))
إنني أكنّ احترامًا وإعجابًا بنعوم تشومسكي، منذ فترة طويلة، وهو أمر مثير للاهتمام حين نرى أناسًا كانوا ذات يوم يساريين وهم يوشكون على التحول إلى اليمين، وهذا ما يحدث، وأول اختبار لأعرف ما يوشكون القيام به عندما يحاولون طمأنة الناس الذين يعملون من أجلهم أو طمأنة زملائهم بالقول: إنني لست جزءًا من يسار تشومسكي وعندما يقول أي شخص ذلك الكلام، فاحذروا لأن بالإمكان أن ينتهي به الأمر في أي مكان، وقد انتهى الأمر مع بعضهم بتأييد جورج دابليو بوش وكثير من الناس بدأوا في بداية الأمر بالقول :لست جزءًا من يسار تشومسكي· وهكذا فإن ذلك يشكل دائمًا اختبارًا جيدًا·
من الصعب أن نتحدث عن نعوم، لأن أعماله معروفة جيدًا في كل أنحاء العالم، وهو يرتدي قبعات كثيرة جدًا ويتحدث في كثير من الأماكن المختلفة مما يخلق صعوبة في وضعه في قالب والقول هذا هو حاله وهذا كل ما في الأمر· لكن اسمحوا لي أن أحاول، فعندما كنت أفكر فيمن يذكرني نعوم به أكثر من غيره، كمثقف عام فإن الاسم الذي خطر على ذهني كان شخصًا يختلف عن نعوم، من نواح كثيرة لكنه مشابه له تمامًا من نواح أخرى، وكان ذلك الشخص هو الفيلسوف البريطاني الراحل بيرتراند راسل، فقد أصبح بيرتراند راسل، في مرحلة مبكرة من حياته، معارض ضمير، رفض القتال في الحرب العالمية الأولى، وعلى العكس من نعوم، جاء راسل من واحدة من أعرق وأبرز العائلات الارستقراطية في بريطانيا، دوقات بيدفورد·
وعندما أصبح بيرتراند راسل راديكاليًا جدًا وقال: يجب أن يكون لدينا محاكم جرائم حرب تحكم على الولايات المتحدة على جرائم الحرب في فيتنام لم نستطع أن نجد أي فندق في لندن، مستعد لإعطائه غرفة، وقلنا لراسل: ماذا سنفعل؟ وقال: أوه·· هذه هي المرة الأولى التي آسف أنني تخليت عن كل ميراثي· لذلك قلنا له: علينا أن نفعل شيئًا، فقال: سوف أجري بضع مكالمات هاتفية·
وعقد أول اجتماع للمحكمة الدولية لجرائم الحرب حول فيتنام في فندق راسل، في ميدان بيدفورد، وهو مكان كانت تملكه عائلة راسل، والذي كان قد تخلى عنه، وكان قد قال إنه لم يكن يريد أن يكون جزءًا منه·
إن الشيء المهم حول راسل، مثلما هو حال نعوم، أنه لم يكن يخشى من قول ما يدور في ذهنه، ومن قول الحقيقة لرؤساء الدول، ورؤساء الحكومات· وأنا أذكر أنني التقيت به ذات مرة بعد وقوع مجزرة بعينها في فيتنام، وكان راسل موجودًا في احتفال حيث تقدم رئيس الوزراء البريطاني نحوه ليحييه وقال له: مرحبًا لورد راسل، قال راسل: لم أستطع احتمال فكرة مصافحة يد هذا الرجل، لأنه ساند الحرب في فيتنام، لذلك أدار راسل ظهره له وابتعد عنه·
يوجد أناس من هذا القبيل، ونعوم تشومسكي واحد من العدد القليل، وهذا هو صوت أمريكا الذي علينا أن ندافع عنه ونشجعه في كل أنحاء العالم، لأنه إذا لم يكن هنالك مخالفون في الرأي مثل تشومسكي، فسوف يكون من الصعب جدًا أن ندافع عن الولايات المتحدة ونوضح للناس أن هناك معارضة، وأنه ليس كل الناس في الولايات المتحدة يتبعون الحكومة، وأن هنالك في أغلب الأحيان معارضة ضخمة لا يتم التعبير عنها في الصحافة· وهذا كل ما يعنيه كون الشخص مثقفًا عامًا، ومن وقت قريب، ظهر عدد من المقالات وبعض الكتب، كتب رديئة ومقالات رديئة نشرت في صحف رديئة، تحدثت عن مثقفين عامين وعندما تقرأها، تخرج بشخصيات مثل توماس فريدمان ومايكل إيجناتيف وكريستوفر هتشنز وعدة مهرجين آخرين· والمحصلة المهمة بالنسبة لي أن هنالك نوعين من المثقفين، فهنالك هؤلاء الأشخاص الذين ذكرتهم، وآخرون، ويمكننا أن نسمي عددًا قليلاً، وهؤلاء من وجهة نظري، هم مثقفو الدولة وهم ليسوا مثقفين عامين، ولا يتحدثون للمصلحة العامة، إنهم يدافعون عن الدولة، يواصلون الكتابة دفاعًا عن أكاذيبها ومجازرها وجرائهما كما لو أنها أمور بسيطة، فالناس الذين يساند جميعهم الحرب في العراق لا يكترثون أبدًا بأن أكثر من ستمائة ألف عراقي قد قتلوا حتى خريف 2006، ومعدل الوفيات يقارب الآن 500 شخص يوميًا وفقًا لدراسة حديثة نشرت في الصحيفة البريطانية لانست، ولم يتحدث جميع مثقفي الدولة الذين يدافعون عن الحرب في العراق أبدًا عن هذا الرقم لأن ذلك لا يقلقهم، ولكنه يقلق تشومسكي·
إنه دقيق جدًا بالطريقة التي يبحث بها عن الحقائق ويحللها ويعرضها، ويسجل له أنه يفعل هذا في بلد عزلته ثقافته السياسية بشكل كامل، والأمور ليست على نحو جيد في أوروبا أيضًا، ومع أنني لا أريد أن أبالغ فإنه لو كان تشومسكي يعيش في فرنسا أو بريطانيا لكان له عمود ينشر بشكل منتظم في أي صحيفة كبيرة في ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا، ولا شك أبدًا في ذلك، لأن الأمور لم تصل حتى الآن إلى تلك الدرجة من السوء· وربما تصبح كذلك، لكن هذا مستحيل في الولايات المتحدة، إنه مستحيل، ورغم هذا فإن صوته مسموع في كل أنحاء العالم، ورغم حقيقة أنه تتم معاملته كمنبوذ في بلده من قبل المؤسسة الرئيسية، ومن قبل المؤسسة الليبرالية أيضًا، إلى حد كبير، رغم تلك الحقيقة، فإن هذا هو الصوت الأميركي الوحيد الذي يحظى بالاحترام في العراق، وباكستان، وفعليًا في كامل قارة أميركا اللاتينية تقريبًا·
لماذا؟ لأن الجميع يعرفون أنه من أجل أن تكسب، فإنك بحاجة إلى تأييد الشعب الأمريكي، وأنت بحاجة إلى تأييد المواطنين الأميركيين، الناس العاديين، ونعوم تشومسكي هو الشخص الوحيد الذي يعطي صوتًا لكثير من هؤلاء الناس الذين لا يمكن سماعهم عبر الإعلام الأمريكي أو الخارج· وهذا يجعله شخصًا بالغ الأهمية ويجعل منه ثروة ثمينة جدًا للمعارضين ولحركات المقاومة في كل أنحاء العالم·
لقد دأب على القيام بهذا منذ فترة طويلة حوالى خمس وأربعين سنة، وأصبح هذا الصوت أقوى وأقوى وأقوى، وحقيقة أن الأعداء، أعداءه وأعداءنا في كثير من الأحيان لا يستطيعون التعامل مع هذا الأمر، تجبرهم على التشهير والأكاذيب لأنهم لا يستطيعون أن يتعاملوا مع حججه· ومع أنه لا يظهر على التلفزيون، ولا تنشر مقالاته بانتظام في أي مكان في الصحافة الرئيسية فإن كتبه توزع في كل أنحاء العالم وصوته لا يمكن كبته، وحتى هذا الصوت الوحيد، المهيمن والقوي والصادق، لا يجدونه· إنهم لا يحبونه، وهم يهاجمونه، وما يزال الناس الذين يملكون مساحات واسعة في النيويورك تايمز والواشنطن بوست، والذين يستطيعون أن يقولوا ما يريدونه، ما يزالون يقرون بأنهم مضطرون لمهاجمته، وهذا أمر مثير للاهتمام لأن بإمكانهم أن يتجاهلوه إذا أرادوا والسبب الذي يجعلهم لا يتجاهلونه أن صوت تشومسكي أصبح ضمير بلاده وهو يسمع في كل أنحاء العالم· وهذا هو السبب الذي يجعلهم لا يستطيعون تجاهله·
كانت المرة الأولى التي قرأت فيها نصوصًا لنعوم تشومسكي قبل أربعين عامًا، في أيام حرب فيتنام، وقد أثر علي وأثر على أجيال كثيرة، وهذا هو الجيل الثالث الذي يؤثر عليه، وهو أمر رائع أن نراه في أجزاء مختلفة من العالم، وخصوصًا عندما يتحدث للشباب، وهو جيل جديد، وأنت تشعر عندما يتحدث بأسلوبه المميز، كما ستسمعه قريبًا، أن الشباب يصغون إليه بشغف· وهو يعني أنه ينقل سلاح الانشقاق والمعارضة إلى جيل جديد، وهذه مهمة بالغة الأهمية حاليًا لأننا نعيش في عالم مضطرب غير مرض، فنحن نعيش في عالم أصبح فيه هذا البلد قويًا جدًا ومهيمنًا جدًا عسكريًا لتحقيق مصالحه·
ونحن بحاجة إلى أصوات أكثر معارضة، لذلك فإنني أعتقد أن شعارنا ينبغي إيجاد نعومين، ثلاثة، عدد كبير من أمثاله· وآمل أن يساهم هذا الكتاب في ذلك تمامًا·

الصفحات