كتاب "مداخلات"، يقول نعوم تشومسكي إن حرية التحدي الفوة ليست فرصة فقط بل هي مسؤولية .وطوال السنوات العديدة الماضية دأب تشومسكي على كتابة مقالات لمؤسسة نيويورك تايمز ليقوم بتلك المسؤولية : تحدي القوة ، وكشف التبعات العالمية للسياسة والاعمال العسكرية الاميريكي
أنت هنا
قراءة كتاب مداخلات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحادي عشر من أيلول
دروس غير مستفاد منها
4 أيلول 2002
إن الحادي عشر من أيلول قد صدم كثيرًا من الأمريكيين، وجعلهم يدركون أنه كان عليهم أن يولوا انتباهًا أشد لما تفعله الحكومة الأمريكية في العالم، وكيف ينظر إليها·
وانفتحت قضايا كثيرة للنقاش، وهي قضايا لم تكن من قبل على الأجندة، وهذا كله يبشر بالخير·
وهو أيضًا شيء يتسم برجاحة العقل إذا أملنا في تقليص احتمال وقوع مجازر مستقبلية، وقد يكون أمرًا صريحًا أن ندعي بأن أعداءنا يكرهون حرياتنا كما قال الرئيس بوش، لكن لا يكاد يكون من الحكمة أن نتجاهل عالم الواقع الذي ينقل دروسًا مختلفة·
وليس الرئيس هو أول من يسأل : لماذا يكرهوننا؟
في نقاش مع طاقمه، قبل أربع وأربعين سنة، وصف الرئيس أيزنهاور حملة الكراهية ضدنا (في العالم العربي)، ليس من قبل الحكومات بل من قبل الناس· وقد بيّن مجلسه للأمن القومي، الأسباب الرئيسية: الولايات المتحدة تدعم الحكومات الفاسدة والقمعية، وتعارض التقدم السياسي أو الاقتصادي، بسبب اهتمامها بالسيطرة على مصادر النفط في المنطقة·
وتكشف الاستطلاعات التي أجريت بعد الحادي عشر من أيلول، أن الأسباب نفسها موجودة حاليًا، ويعقدها الاستياء من سياسات معينة، ومن المثير جدًا أن ذلك صحيح وينطبق حتى على القطاعات المميزة ذات التوجه الغربي في المنطقة·
وللاستشهاد بمثال أخير فقط: في العدد الصادر في الأول من شهر آب، لمجلة العرض الاقتصادي للشرق الأقصى، يكتب المتخصص الإقليمي المعروف دوليًا، أحمد رشيد قائلاً إن في باكستان غضبًا متزايدًا لأن الدعم الأمريكي يسمح لنظام مشرف العسكري بتأخير الوعد بالديمقراطية·
واليوم لا نحسن كثيرًا لأنفسنا حين نختار الاعتقاد بأنهم يكرهوننا ويكرهون حرياتنا، وعلى عكس ذلك، فإن هذه مواقف الناس الذي يحبون الأمريكيين ويعجبون كثيرًا بالولايات المتحدة، وخصوصًا حرياتها، وما يكرهونه هو السياسات الرسمية التي تنكر عليهم الحريات التي يتطلعون إليها أيضًا·
وبسبب مثل هذه الأسباب؛ فإن تقييمات أسامة بن لادن بعد الحادي عشر من أيلول - ومثال ذلك إزاء الدعم الأمريكي للأنظمة الفاسدة والوحشية - أو الغزو الأمريكي للسعودية - لها صدى معين، حتى بين الذين يمقتونه ويخافون منه، ومن الاستياء والغضب والإحباط، تأمل الزمر الإرهابية في الحصول على التأييد والمجندين·
وعلينا أيضًا أن ندرك أن كثيرًا من العالم يعدوّن واشنطن نظامًا إرهابيًا، ففي السنوات الأخيرة، أقدمت الولايات المتحدة على عمليات، أو ساندت عمليات في كولومبيا ونيكاراغوا وبنما والسودان وتركيا، وهذا غيض من فيض، وهي عمليات تلبيّ التعريفات الأمريكية الرسمية للإرهاب - أي إن ذلك حين يطبق الأمريكيون تلك العبارة على الأعداء·
وفي المجلة الأكثر اتزانًا فورين أفيرز، كتب صمويل هنتنغتون عام 1999: في الوقت الذي تشجب فيه الولايات المتحدة، بشكل منتظم، دولاً مختلفة وتصفها بالدول المارقة؛ فإن أمريكا في عيون كثير من الدول أخذت تصبح القوة العظمى المارقة - أكبر تهديد خارجي لمجتمعات هذه الدول·
ولا تتغير مثل هذه التصورات بالحقيقة الماثلة في أنه، بعد الحادي عشر من أيلول، وللمرة الأولى، تعرضت دولة غربية وعلى ترابها الوطني لهجوم إرهابي مرعب، من النوع المألوف جدًا لضحايا قوة غربية، ويتجاوز الهجوم ما يوصف في بعض الأحيان بإرهاب التجزئة لجيش التحرير الإيرلندي أو منظمة إف أل إن، أو الألوية الحمراء·
وأثار إرهاب الحادي عشر من أيلول إدانة شديدة في كل أنحاء العالم، وسيلاً من التعاطف مع الضحايا الأبرياء، لكن بمواصفات·
ووجد استطلاع دولي أجرته مؤسسة غالوب في أواخر شهر أيلول تأييدًا ضئيلاً لهجوم عسكري على أفغانستان، من قبل الولايات المتحدة، وجاء أقل تأييد من أمريكا اللاتينية، وهي المنطقة التي تحمل أكبر خبرة مع التدخل الأمريكي·
وحملة الكراهية الحالية في العالم العربي تؤججها، بطبيعة الحال، السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل - فلسطين والعراق، فقد وفرت الولايات المتحدة الدعم المهم للاحتلال العسكري القاسي من قبل إسرائيل، والذي يدخل الآن عامه الخامس والثلاثين·
ويمكن أن تكون هنالك طريقة لتقليص التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، وذلك بوقف زيادتها كما نفعل برفض الانضمام إلى الإجماع الدولي القائم منذ زمن طويل، والذي يدعو إلى الاعتراف بحق جميع الدول في المنطقة بالعيش في سلام وأمن، بما فيها دولة فلسطينية في المناطق المحتلة حاليًا (ربما مع تعديلات طفيفة ومتبادلة في الحدود)·
وفي العراق فإن عقدًا من العقوبات، تحت ضغط أمريكي، قد قوى صدام حسين، بينما أدت إلى موت مئات الآلاف من العراقيين - ربما عدد من الناس أكبر من الذين ذبحتهم كل ما تسمى بأسلحة الدمار الشامل على مدى التاريخ، حسبما كتب المؤرخان جون وكارل مولر في مجلة فورين أفيرز عام 1999·
إن مبررات واشنطن الحالية لمهاجمة العراق أقل مصداقية مما كانت عندما كان الرئيس بوش الأب يرحب بصدام حسين كحليف وشريك تجاري بعد أن كان قد ارتكب أسوأ مجازره - كما في حلبجة، حين هاجم العراق الأكراد بالغاز السام عام 1988، ففي ذلك الوقت كان صدام أخطر مما هو الآن·
وبالنسبة للهجوم الأمريكي على العراق، لا يمكن لأحد، بمن فيهم دونالد رامسفيلد، أن يخمّن بشكل واقعي التكاليف والعواقب المحتملة·
ومما لا شك فيه أن المتطرفين الإسلاميين الراديكاليين يأملون في أن هجومًا على العراق سوف يقتل كثيرًا من الناس ويدمر كثيرًا من البلد، مما يوفر المجندين للعمليات الإرهابية·
ويفترض أنهم يرحبون بمبدأ بوش الذي يعلن الحق في الهجوم ضد تهديدات محتملة، وهي لا حدود لها فعلاً، وقد أعلن الرئيس أنه لا أحد يعرف عدد الحروب اللازمة لتأمين الحرية في الوطن الأمريكي، وهذا صحيح·
إن التهديدات موجودة في كل مكان وحتى في أمريكا، وتصوّر حرب لا تنتهي يمثل للأمريكيين خطرًا أكبر مما يمثله الأعداء المحتملون، وذلك لأسباب تدركها المنظمات الإرهابية جيدًا·
قبل عشرين سنة، أثار الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ياهوشافات هاركابي ، وهو مستعرب بارز، أثار النقطة التي لا تزال صحيحة، فقد قال: تقديم حل مشرف للفلسطينيين يحترم حقهم في تقرير المصير: وهذا هو حل مشكلة الإرهاب، فعندما يختفي المستنقع، فلن يظل هنالك أي بعوض·
وفي ذلك الوقت، كانت إسرائيل تتمتع بالحصانة الحقيقية من الانتقام في الأراضي المحتلة، وهي حصانة استمرت إلى فترة قريبة جدًا، وكان تحذير هاركابي ملائمًا، وينطبق الدرس بشكل أكثر عمومية·
ومثل الحادي عشر من أيلول، كان مفهومًا أنه بوجود تكنولوجيا حديثة، فإن الأغنياء والأقوياء سوف يخسرون ما يقرب من احتكارهم لوسائل العنف، ويمكن أن يتوقعوا أن يعانوا من مذابح على ترابهم الوطني·
وإذا أصررنا على إيجاد المزيد من المستنقعات فسوف يكون هنالك المزيد من البعوض، بقدرة مخيفة على التدمير·
وإذا خصصنا مواردنا لتجفيف المستنقعات، والتصدي لجذور حملات الكراهية فإن بإمكاننا عندئذ أن نقلص التهديدات التي نواجهها كما أننا سنفي بالمثل التي نعلنها، والتي ليست بعيدة المنال إذا اخترنا أن نأخذها على محمل الجد·