كتاب "مداخلات"، يقول نعوم تشومسكي إن حرية التحدي الفوة ليست فرصة فقط بل هي مسؤولية .وطوال السنوات العديدة الماضية دأب تشومسكي على كتابة مقالات لمؤسسة نيويورك تايمز ليقوم بتلك المسؤولية : تحدي القوة ، وكشف التبعات العالمية للسياسة والاعمال العسكرية الاميريكي
أنت هنا
قراءة كتاب مداخلات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وبعد أن بدأت الحرب
24 آذار 2003
إذا كان هنالك أي شيء واضح من تاريخ الحروب فإن شيئًا ضئيلاً يمكن التكهن به·
وفي العراق قامت القوة العسكرية المخيفة في التاريخ الإنساني بمهاجمة بلد أضعف بكثير - تباين شديد في القوة·
وسيمر بعض الوقت قبل الخروج بتقييمات، ولو أولية، للنتائج، حيث ينبغي تكريس كل الجهود لتقليص الضرر، وتزويد الشعب العراقي بالموارد الضخمة التي يحتاجهالإعادة بناء مجتمعه - بعد صدام، بطريقته ولا يتم إملاء إعادة البناء من قبل الحكام الأجانب
وليس هنالك أي سبب للشك في أن الحكم شبه العالمي بأن الحرب في العراق سوف تزيد خطر الإرهاب، وتطوير واستخدام أسلحة الدمار الشامل للانتقام أو الردع·
إن إدارة بوش في العراق تتابع طموحًا إمبراطوريًا وهو طموح يخيف العالم ويحول الولايات المتحدة إلى منبوذ دولي·
إن الهدف المعلن للسياسة الأمريكية الراهنة هو تأكيد قوة عسكرية متفوقة في العالم، دون أن يتحداها أحد، ويمكن خوض الحروب الأمريكية الوقائية حسبما تشاء- وقائية أو استباقية· ومهما يمكن أن تكون مبررات الحرب الاستباقية فإنها لا تنطبق على التصنيف المختلف جدًا للحرب الوقائية: استخدام القوة لاجتثاث تهديد متوقع·
وتفتح تلك السياسة المجال أمام صراع طويل الأجل بين الولايات المتحدة وأعدائها، والذي أوجد العنف والعدوان بعضهم، ليس فقط في الشرق الأوسط، وبهذا الخصوص فإن هجوم الولايات المتحدة على العراق استجابة لدعوات ابن لادن·
وبالنسبة للعالم فإن مخاطر الحرب وما أعقبها لا يمكن أن تكون أكبر، واختيار احتمال واحد فقط من احتمالات كثيرة فإن زعزعة الاستقرار في باكستان يمكن أن تؤدي إلى نقل الأسلحة النووية الفتاكة إلى الشبكة العالمية للحركات الإرهابية، التي يمكن أن يقويها اجتياح العراق واحتلاله العسكري، وهنالك احتمالات أخرى، لا تقل سوادًا، يمكن استحضارها بسهولة·
لكن استشراف نتائج أقل خطرًا أمر ليس ميؤوسًا منه - بدءًا بدعم العالم لضحايا الحرب، والاستبداد الشرس والعقوبات الإجرامية في العراق· وهنالك مؤشر واعد وهو أن المعارضة للاجتياح قبل وقوعه وبعده، كانت كاملة كليًا لم يسبق لها مثيل·
وعلى نقيض ذلك، قبل واحد وأربعين عامًا، عندما أعلنت إدارة كنيدي أن الطيارين الأمريكيين يقصفون فيتنام، كان الاحتجاج لا وجود له تقريبًا، ولم يصل إلى أي مستوى ذي معنى طوال عدة سنوات·
والآن، هنالك احتجاج شعبي مناهض للحرب، على نطاق واسع ومبدئي، في كل أنحاء الولايات المتحدة والعالم· وتصرفت حركة السلام بحضور قوي حتى قبل أن تبدأ حرب العراق الجديدة·
وهذا يعكس زيادة مستمرة خلال هذه السنوات، لعدم الرغبة في التساهل إزاء العدوان والمجازر، وهذا يشكل واحدًا من التغيرات الكثيرة على نطاق العالم· وكان لحركات النشطاء في السنوات الأربعين الماضي تأثير تهذيبي·
وفي الوقت الحاضر فإن الطريقة الوحيدة أمام الولايات المتحدة لمهاجمة عدو أضعف بكثير تتمثل في رسم هجوم دعائي ضخم يظهر أن العدو شرّ - أو يشكل تهديدًا لوجودنا، وكان ذلك هو سيناريو واشنطن إزاء العراق·
ومع هذا فإن نشطاء السلام في وضع أفضل حاليًا لمنع الخطوة التالية نحو العنف وهذا يتصف بأهمية استثنائية استند جزء كبير من المعارضة لحرب بوش على إدراك أن العراق ليس سوى حالة خاصة للطموح الإمبراطوري الذي أعلنت عنه استراتيجية الأمن القومي بقوة في أيلول الماضي·
وللتأمل في وضعنا الحالي قد يكون مفيدًا أن نعود إلى تاريخ حديث جدًا، ففي تشرين الأول الماضي، تم إبراز طبيعة التهديدات للسلام في اجتماع قمة في هافانا، في الذكرى السنوية الأربعين لأزمة الصواريخ الكوبية، والذي حضره مشاركون رئيسيون من كوبا وروسيا والولايات المتحدة·
وكانت الحقيقة الماثلة في أننا تجاوزنا الأزمة، معجزة، وقد علمنا أن العالم تم إنقاذه من دمار نووي من قبل قائد غواصة روسية، فاسيلي أركيبوف، الذي رفض أمرًا بإطلاق صواريخ نووية عندما هوجمت غواصات روسية من قبل مدمرات أمريكية قرب خط الحظر الذي وضعه كينيدي· ولو وافق أركيبوف لكان من الممكن أن يؤدي الإطلاق النووي إلى تبادل يمكن أن يدمر نصف الكرة الشمالي، كما كان إيزنهاور قد حذر·
إن المعلومة المخيفة التي انكشفت تجيء في وقتها بسبب الظروف؛ فجذور أزمة الصواريخ تكمن في الإرهاب الدولي الذي يرمي إلى تغيير الأنظمة، وهما الآن مفهومان مهيمنان·
تظهر الاكتشافات الجديدة بوضوح شديد المخاطر المخيفة وغير المتوقعة لهجمات على عدو أضعف بكثير ترمي إلى تغيير الأنظمة - وهي مخاطر يمكن أن تهلكنا جميعًا، وهذا ليس كلامًا مبالغًا فيه·
وترسم الولايات المتحدة مسارات جديدة وخطيرة إزاء المعارضة العالمية شبه الإجماعية·
وهنالك طريقتان أمام واشنطن للاستجابة للتهديدات التي تتولد - إلى حدّ ما، من تصرفاتها وتصريحاتها المذهلة·
وإحدى الطريقتين هي محاولة تخفيف التهديدات بإيلاء بعض الانتباه للشكاوى المشروعة، والموافقة على أن تصبح عضوًا متحضرًا من مجتمع عالمي، مع بعض
الاحترام للنظام العالمي ومؤسساته والطريقة الأخرى هي بناء آلات أكثر إثارة للرعب، للتدمير والهيمنة، حتى يمكن سحق أي تحدّ محتمل مهما كان نائيًا، مما يثير تحديات جديدة وأعظم.