كتاب "الحرية الاقتصادية في العالم - التقرير السنوي 2007" لمؤلفيه جيمس غوارتني وروبرت لوسون ووليم ايسترلي.
أنت هنا
قراءة كتاب الحرية الاقتصادية في العالم - التقرير السنوي 2007
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الحرية الاقتصادية في العالم - التقرير السنوي 2007
من أجل تغيير العالم
عندما انتشر نبأ وفاة صديقي [ميلتون فريدمان] في شتى أرجاء العالم، سعى الناس إلى التركيز على تأثير آرائه وأفكاره على العالم: صحفيون يبحثون عن أفضل 700 كلمة تعبر عن جوهر هذا الرجل؛ قنوات تلفزيونية تتخبط- كما تفعل دائماً - لإيجاد وسيلة «مرئية» لتقديم الحدث لمشاهديها. بطبيعة الحال، بالنسبة لمعظم الناس في العالم، فإن أفضل وسيلة لرؤية تأثير ميلتون فريدمان هي ببساطة أن تنظر حولك. من منغوليا إلى مانيتوبا، ومن ريكيافيك إلى كيب تاون، ومن سيدني إلى بكين، وفي كل منطقة من مناطق الاتحاد السوفييتي السابق، فإن افكار ميلتون فريدمان تحفّز السياسات الاقتصادية التي تغير العالم وتقضي على الفقر بوتيرة غير مسبوقة. (حرية الاختيار)، الكتاب الذي نشأ عن سلسلة تلفزيونية تحمل الاسم ذاته، ألفه ميلتون وزوجته الذكية روز، كان الدليل للإصلاحيين بعشرات اللغات.
آخر مرة كنت فيها مع ميلتون وروز، قبل أسبوعين من وفاته واليوم الذي دخل فيه المستشفى لهبوط في وظائف القلب مما أدى إلى وفاته، كان كعادته دوماً، فضولياً، ومرحاً، ومولعاً بالقتال وموطد العزم. كانت المناسبة اجتماع حول مؤسسة ميلتون وروز التي يشرفني أن أكون مديرها. كان يتم التعامل مع عمل المؤسسة بكفاءة وبشكل جيد غير أن سير العمل لم يمنعنا من الجدال أحياناً حول استحقاقات «بيع الأسهم لأجل قصير بهدف الربح قبل أن يهبط سعرها.» ودار الجدل حول ما إذا كان ينبغي على أولئك الذين يبيعون الأسهم أن يغطوا عمليات البيع قصيرة الأجل تلك باقتراض الأسهم. وحول ما إذا يجب أن تكون أسواق الأسهم في هذا الخصوص كأسواق العملات والسلع.
ذكرني النقاش بأن إحدى مساهمات ميلتون إلى العالم كانت إسداءه النصيحة إلى مؤسسي بورصة شيكاغو، التي تعتبر الآن واحدة من أكبر أسواق الأسهم والسلع. فوّض مؤسسُ البورصة ميلتون لإعداد بحث عن أسواق العقود الآجلة، ولعبت الأفكار التي وردت في ذلك البحث الذي أنجز عام 1971 دوراً رئيسياً في إقناع المؤسسين والمسؤولين الحكوميين باستحقاقات تأسيس مثل تلك البورصة. في الواقع، فإن مؤسس سوق العقود الآجلة في البورصة، ليو ميلاميد، لاحظ أن المسؤولين الحكوميين الذين كانوا في البداية متشككين من الفكرة، تخلوا عن شكوكهم عندما اكتشفوا أن ميلتون فريدمان كان مؤيداً للفكرة.
لم يكن من المدهش أن ميلتون كان ودياً مع الجميع، مع العديدين ممن كانوا يعارضون أفكاره، ومع القلة الذين كانوا يقبلونها. هكذا بقي صامداً طوال 30 عاماً بينما كان العالم يتشرب الأفكار الاشتراكية بغباء. وفي حين لم يتفق الناس معه، كان عليهم أن يعترفوا أنه كان شخصاً لطيفاً.
إحدى أكثر السمات المحببة لهذا العملاق الفكري اللطيف كانت إنسانيته: اهتمامه بعدم إحراج أي شخص يطرح أسئلة سخيفة، وعنايته لمعاملة كل شخص باحترام، حتى من يهاجمه بسبب وجهات نظره. وكان لاعب تنس عظيم إلى أن وصل إلى منتصف الثمانينات من العمر، كما كان متزلجاً ماهراً على الجليد. كما كان يقوم بتحليل خط اليد كخدعة أثناء الالتقاء في المناسبات الاجتماعية، ويبادر في الحديث ليجعل الآخرين يشعرون بارتياح في المناسبات الاجتماعية.
إن مساهمات فريدمان في فهم الاقتصاد كان يدفعها طموحه إلى تغيير العالم. وقد كان طالباً يدرس التاريخ فضلاً عن كونه صانعاً له، ويدرك تماماً مدى معاناة البشرية، ومدى قلة الإنجازات التي حققتها النتائج غير المقصودة للسياسات طيبة النوايا، إنما غير الصحيحة. ومنذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، بدأ بإلقاء المحاضرات حول الصلات بين الانجازات البشرية والحرية الاقتصادية. وكان كتابه الذي ألفه بمشاركة روز (الرأسمالية والحرية) بياناً مبكراً لما كان سيصبح وجهة النظر العالمية الشاملة للاقتصاديين الليبرتاريين. وكان ذلك هو ما قاد ميلتون وروز وأنا إلى المبادرة في عام 1984 بالعملية التي أوجدت مؤشر الحرية الاقتصادية.
وبينما كان ميلتون وروز يوصفان في أغلب الأحيان على أنهما مناصران للسوق الحر، كانا قبل ذلك باحثين في الطريقة التي تعمل فيها العملية الاقتصادية. لقد أرادا معرفة الطريقة التي تعمل فيها أسواق التعليم والعناية الصحية، مما أدى بهما إلى تفضيل القسائم للتأكد من التوصيل الفعال لهذه الخدمات المهمة.
إن دعمهما لاختيار التعليم من خلال القسائم يتم التعبير عنه حالياً في الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة ميتلون وروز فريدمان.
لقد لاحظا عدم فعالية وعدم جدوى الإنفاق العام، وشح الحلول للمشاكل التي كانت أهداف الإنفاق العام. واستنتجا أنه من الأفضل تخفيض الضرائب وجعل الناس ينفقون أموالهم على أشياء اعتقدوا أنها كانت مهمة بالنسبة لهم. واليوم، تؤخذ هذه الأفكار بشكل واضح في الوقت الذي تقترب فيه الحكومات من نموذج أسلوب ميلتون للتمويل العام. ولكن قبل أربعين عاماً، كانت تعتبر غريبة وغير واقعية. علاوة على ذلك، ومع معتقدات كينز الكاملة المنتشرة في عواصم البلدان البارزة، كان فريدمان يعتبر منبوذاً. لحسن الحظ، لم يكن لذلك أي تأثير على تصميمه لإثبات أن الرأي الجماعي كان غير صحيح وغير فاعل.
في حين أن ميلتون سوف يرفض استخدام المصطلح، إلا أن الزعماء الوطنيين، من رئيس الوزراء زاو زيانغ في الصين، إلى رئيس الوزراء دافيد أودسون في آيسلندا سيشهدان أن ميلتون كان رسولاً عظيماً. وقد قام برحلات عديدة إلى كندا لتحويل الاشتراكيين الشماليين. وقد أوشكت رحلته الأولى مع روز في عام 1940 أن تكون الأخيرة عندما انقلبت سيارته المكشوفة التي كان يسافر فيها عن الطريق السريع بين بانف وجاسبر ألبيرتا. وساعدته رحلته التي قام بها في عام 1982 مع روز لمقابلة رئيس الوزراء آنذاك وليام بينيت، على إحداث برنامج جذري للإصلاحات الاقتصادية يضاهي أداء روجر دوغلاس في نيوزيلندا ومارغرت ثاتشر في بريطانيا، وهو برنامج اكتسح كافة أرجاء كندا. وخلال رحلته الأخيرة التي قام بها قبل عام مضى، التفت حوله جماهير الشباب وكأنه نجم غناء يريدون توقيعه. غير أن نفوذه في كندا لم يكن يقتضي القيام بالزيارات دائماً. في عام 1971، عندما كنت أقدم الاستشارة إلى محافظ البنك المركزي الكندي حول سياق السياسة النقدية، كانت فعلياً أفكار ميلتون هي التي وجهت جهودنا إلى التقرير بشأن كيفية قراءة ساعة السياسة النقدية.
ولكونه يهودياً، كان ميلتون فريدمان مدركاً تماماً بأن حرية المشاركة في التجارة، على الأخص بالنسبة للأقليات، وأولئك الذين كانت الحكومات تفترسهم، هي الحق الذي يحافظ على الحياة ذاتها. لقد كان مندهشاً من حقيقة سوء تصرف العديد من اليهود إزاء السوق على الرغم من حقيقة أن ذلك كان يشكل الفرق بين الحياة والموت بالنسبة للعديد من أسلافهم. وفي النهاية، فإن أولئك الذين كانت ديانتهم، أو لون بشرتهم، أو عرقهم هدفاً للمذابح الحكومية من أي نوع كانت، يمكنهم العيش لو أنهم يستطيعون إيجاد الملاذ في حقيقة أن حريتهم في التجارة، والشحن، والمقايضة لم يتم تقليصها. هذه هي الحرية الاقتصادية التي اعتبرها فريدمان الأساس لجميع الحريات الأخرى.
وبينما استمر ميلتون فريدمان بطبيعة الحال في المساهمة في الجدل العام في نطاق واسع من المجالات إلى النهاية تماماً، كان مشروع سياسته الرئيسي الأخير هو المساعدة في تأسيس مؤشر الحرية الاقتصادية. وبصفته رئيساً مشاركاً مع روز فريدمان وأنا شخصياً لجميع المؤتمرات الأكاديمية التي خلقت معاً الرأسمال الفكري الذي يعتمد عليه المؤشر، شارك ميلتون بنشاط في بناء منهجية المؤشر. ولن أنسى المؤتمر الذي عقدناه بكاليفورنيا بالقرب من موطن فريدمان، والموثّق في كتاب (تصنيف الحرية الاقتصادية في العالم)، تحرير ستيفان إيستون وأنا.
وخلال سياق اجتماع يوم واحد، عين ميلتون لكل مشارك مهمة تصنيف مجموعة من البلدان من واحد إلى عشرة من حيث الحد الذي كانت فيه حرة اقتصادياً. التزمنا جميعاً باحترام، وأنتج ذلك سلسلة من التصنيفات للبلدان. وكنت أقيم في منزل فريدمان، وفي الصباح الباكر من اليوم التالي، نهضتُ لأجد ميلتون يطبع باجتهاد التصنيفات على كمبيوتره ليستطيع إنجاز تقرير للمجتمعين ذلك الصباح حول النتائج. وبطبيعة الحال، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يشمر فيها ميلتون عن ساعديه ويعمل في تفاصيل بناء قاعدة بيانات، غير أن ما كان يذهلني هو الحيوية والحماس اللذين كان يضفيهما على المهمة رغم طبيعتها الرتيبة. ثمة أمرين يفسران ذلك الحماس. الأول هو عطشه الذي لا ينتهي لمعرفة الأسباب، والحاجة المرافقة الضرورية للقياس. بيد أن السبب الثاني كان أن ميلتون فريدمان، مثلما كانت روز، يحرص بشغف إلى تحقيق أعلى مستويات الحرية الاقتصادية، وفي كل مكان في العالم. وكان يعتقد أن إحدى الوسائل الرئيسية لتحقيق ذلك التوسيع والتعميق للحرية الاقتصادية كانت بواسطة برنامج دقيق لقياسها.
بطريقة ما، لن نفتقد ميلتون فريدمان. والسبب الرئيسي هو أنه حاضر دوماً في الأفكار والسياسات التي تحيط بنا. في واقع الأمر، من الصعب أن نتفاداه. وبالنسبة لأولئك الأشخاص بيننا المنخرطين في دراسة تأثير الأفكار، فسوف يكون رفيقنا الدائم-يشجعنا أن نثبت في دفاعنا عن الحرية الاقتصادية، وينصحنا بأن نكون أكثر احتمالاً لأولئك الذين لم يمتلكوا نعمة فهم هذه الأفكار، ويجادلنا لننشر الكلمة حول القوة العظمى للأسواق والعواقب غير المقصودة التي تنتج عن تجاهل أو محاولة تدمير القوة الراسخة لحوافز السلوك.
ولكنني سأفتقده رغم ذلك. سوف أفتقد مشورته الحكيمة التي أعطاها بسعادة، وسوف افتقد تشجيعه وحماسه اللذين لا يعرفان حدوداً، وكذلك تفاؤله الحيوي، الذي كان مطمئناً مثلما هو معدياً! ولكن أكثر من كل ذلك، سوف أفتقد أحاديثنا حول القضايا الاقتصادية والحرية الاقتصادية التي تعلمت منها دوماً شيئاً جديداً، والتي شعرت خلالها على الدوام بشرف اشتراكي فيها.
شكراً لك، ميلتون، لكل ما أعطيتنا إياه، وللأجيال العديدة المقبلة التي لم تولد بعد، والتي ستستفيد من حكمتك وتعليمك.
وأعتقد شخصياً أن الجهد المتواصل لقياس الحرية الاقتصادية في العام، والذي يعتبر هذا الكتاب الحالي أحدث إثبات له، يقف كذكرى حية لميلتون فريدمان.
مايكل والكر
رئيس معهد فريزر الكندي