هذا دليل موجز ، إلى أبرز مراجع ترجم العلماء ، والأدباء ، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي ، على اختلاف مناهج هذه المراجع ، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد ، وكتب البلدان (الجغرافيا) ، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حر
أنت هنا
قراءة كتاب الموجز
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
فضعف العلم بضعف أهله . " فإن فساد كل صناعة من كثرة ، وقلة الصرحاء" كما قال أبو سليمان الخطابي . وروى ، رحمه الله ، عن إسماعيل بن محمد الصفار ، سمعت العباس بن محمد الدوري ، يقول : "أردت الخروج إلى البصرة ، فصرت إلى أحمد بن حنبل ، وسألته الكتاب إلى مشايخها ، فكلما فرغ من كتاب قرأته ، فإذا فيه : "وهذا فتى ممن يطلب الحديث" ، ولم يكتب: "من أصحاب الحديث" .
وهذا الدوري الذي استكثر عليه الإمام أحمد ، رضي الله عنه ، أن يكون من أصحاب الحديث ، يصفه الحافظ الذهبي بأنه "الإمام الحافظ الثقة الناقد " ، ويحكى عن الأصم ، قوله فيه : "لم أر في مشايخى أحسن حديثنا منه" . ثم روى هذا الخبر ، برواية أخرى ، عن إسماعيل الصفار أيضاً ، عن الدوري ، قال : "كتب لي يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، إلى أبي داود الطيالسي ، كتاباً ، فقالا فيه : "إن هذا فتى يطلب الحديث" ، وما قالا : "من أهل الحديث" .
ثم عقب الذهبي ، فقال : "قلت : كان مبتدئا ، له سبع عشرة سنة ، ثم إنه صار صاحب حديث ، ثم صار من حفاظ وقته " .
ومهما يكن من أمر تفسير الذهبي ، فإنه تبقى للقصة دلالتها على ما ينبغي أن يكون عليه أهل العلم ، من تطامن وانكسار ، وهضم للنفس . وآية ذلك تعقيب الدوري نفسه ، وسياقه الخبر عند الخطابي .
وكنت أود أن أقف وقفة طويلة مع هذه المراجع ؛ أكشف عن مناهجها ، وأدل على طرائقها ، لكني تركت ذلك – مع قدرتي عليه ، امتلاكي لأسبابه ، بفضل الله وعونه وتوفيقه- لأني أردت لهذا الدليل أن يكون خفيف المحمل ، قريب المورد ، سهل الاستيعاب ؛ ولأن كثيراً من طلبة العلم لم تعد لديهم القدرة على قراءة المطولات ، والصبر عليها ؛ للذي عرفته من كثرة الصوارف والحواجز ، في هذه الأيام .وهذا بلاء قد عم وساد ، وكاد يستوى فيه العالم والمتعلم على السواء . وقد قالوا وأحسنوا : مالا يدرك لا يترك كله .
على أن طالب العلم مدعو لأن يقرأ مقدمات الكتب وخواتيمها ؛ ليقف بنفسه على منهج الكتاب ، وموضعه من كتب الفن الذي يعالجه ، وأسلوب التعامل معه ، والرجوع إليه.
وطالب العلم مدعوا أيضاً إلى أن يدرك العلائق بين الكتب : تأثرا وتأثيراً ، ونقداً واختصاراً وتذييلا .
وليعم أبناؤنا الطلبة أن كثيراً من أبواب العلم إنما يحصل بالجهد الشخصي الدءوب ، وأن وظيفة المعلم إنما تقف عند حدود تعبيد الطرق ، ووضع العلامات والصوى .
ونعم ، كان واجباً على المعلم أن يأخذ بيد الطلاب ، إلى هذه الكتب ، ويضيء لهم سبلها ، ويكشف لهم عن أغوارها ، وهكذا كان في أيامنا التي سلفت – ولكن مناهج الدرس في جامعاتنا العربية ، لا تسمح بذلك ، ولا تعين عليه ، كما سبق .
وثالثة : واجب على طالب العلم أن يعرف فرق ما بين الطبعات ، فإن كثيراً من كتب التراث قد طبع مرتين أو أكثر ، وتتفاوت هذه الطبعات فيما بينها ؛ كمالاً ونقصاً ، وصحة وسقما، ولا بد أن يكون رجوع الطالب إلى الطبعة المستوفية لشرائط الصحة والقبول ، وهذه الشرائط ظاهرة لائحة لمن يتأملها ، وتتمثل في التقديم للكتاب ، وبيان وزنه العلمي ، وفهرسته فهرسة فنية ، تكشف عن كنوزه وخباياه ، والعناية بضبطه الضبط الصحيح ، والتعليق عليه بما يضيئه ، ويربطه بما قبله وبما بعده ، في غير سرف ولا شطط ، ثم في الإخراج الطباعي ، المتمثل في وجود الورق ، ونصاعة الحرف الطباعي .
وقد حظى تراثنا – ولله الحمد والمنة – منذ ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي، إلى يوم الناس هذا ، بعلماء كبار ، في الشرق والغرب ، توفروا على إخراجه الإخراج العلمي الصحيح ، وطابعين مهرة ، أظهروه في حلل زاهية ، لكنه ظهر إلى جانب هؤلاء ، ناشرون متساهلون ، وطابعون متعجلون ، أرادوا ثراء المال من أيسر سبيل . فأعرف أيها الطالب وأنكر ، وأقبل وأعرض ، على ما وصفت لك ، تستقم دراستك ، وتمض إلى ما تريد لها من كمال وإتقان.