أنت هنا

قراءة كتاب الموجز

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الموجز

الموجز

هذا دليل موجز ، إلى أبرز مراجع ترجم العلماء ، والأدباء ، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي ، على اختلاف مناهج هذه المراجع ، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد ، وكتب البلدان (الجغرافيا) ، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حر

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: ektab
الصفحة رقم: 2
وكانت المحنة فيما أثير حول "الرمز" في الأدب ، الذي ألقى سدولاً كثيفة كئيبة على البين الذي هو أشرف ما وهبه الله للإنسان ، وخضع النص الأدبي تحليلاً ودرساً لتلك الرموز" اليونانية المتمرغة في أوحال الأساطير ، وهي رموز وثنية المنابت والأصول تجعل الحياة البشرية جحيماً مستعراً من الخطايا والذنوب والآثام ، وتحليل الهم الشريف ظلمة مطبقة على القلب والنفس ، والقلق السامي تدميراً لبنيان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، سبحانه وتعالى" على ما قال شيخنا محمود محمد شاكر . والرمز عنده ضرب من الجبن اللغوي . يقول      حفظه الله : 
 
"فاللغة إذا اتسمت بسمة الجبن كثر فيها "الزمر" وقل فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح . ولا تقل إن "الكناية" شبيهة بالرمز ، فهذا باطل من قبل الدراسة الصحيحة لطبيعة "الزمر" وطبيعة "الكناية" . و "المجاز" . وأنا أستنكف من "الرمز" في العربية ؛ لأن للعربية شجاعة صادقة في تعبيرها ، وفي اشتقاقها ، وفي تكوين أحرفها ، ليست للغة أخرى . وإذا كانت اللغة هي خزانة الفكر الإنساني ، فإن خزائن العربية قد ادخرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني ، وعن النفوس الإنسانية ، ما يعجز سائر اللغات ، لأنها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم ، من نفوس مختارة بريئة من الخسائس المزرية ، ومن العلل الغالبة ، حتى إذا جاء إسماعيل نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الرحمن ، أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرما ، وأسلمها إلى أبنائه من العرب ، وهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم ، فضلت تتحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة ، حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى ، صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مبين ، بلا رمز مبنى على الخرافات والأوهام ، ولا ادّعاء لما لم يكن ، ولا نسبة كذب إلى الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . فمن أجل ذلك كرهت الرموز، ورأيتها قدحاً في العربية ، وتشويهاً يلحقها" .
 
ثم كانت محنة ثانية في ذلك "الرمز" الذي استحدثته قضايا الشعر الحر ، وما أثاره هذا الكلام المخمور المتهالك من إسقاطات وإحباطات وهذر ، حول هموم العصر وعذابات الإنسان ، كما يقولون.
 
ولقد كان يكون الخطب هينا لو أن هذا الهراء ظل في مجثمه في مجالس أحلاس المقاهي ممن ينتسبون إلى الأدب ، ولكنه انتقل إلى الدرس الجامعي – كما ذكرت – افتتن به بعض معلمي الأدب افتنانا عجيباً ، وصبوه صباً في أدمغة هؤلاء الشباب الأغرار ، ممن ابتلوا بالجلوس إليهم، والأخذ عنهم ، ولا سبيل أمام الطالب الذي يريد أن يحصل على شهادته الجامعية إلا التلقي والإذعان .
 
والآن ، وبعد انقضاء نحو عشرين عاماً على تخرجي في كلية دار العلوم ، أبحث في حنايا نفسي وعقلي ، عن أثاره من هذه اللغو الذي أخذ علينا ، في مطالع أيامنا ، الطرق والمنافذ ، فلا أجد شيئاً ألبته ، وقد يكون هذا لأني عرفت سبيلي – بفضل من الله وعون – إلى أدب أهلي وعشريتي ، ولكني التمست ذلك أيضاً عند نفر من رفقاء دربي في تلك الأيام ، فلم أجد عندهم شيئا ، وقد جمعني مع أحد منهم لقاء ، وكان قد وقع في أسر الفئة الباغية ، الذين خدعوه عن تراثه ، وأفسدوا ذوقه ، فسألته عن " إليوت والأرض الخراب ، والرجال الجوف" وكان شديد اللهج به وبهما ، فقال : لم يعد معي من ذلك شيء ، ثم أن أنة حسرى ، وقال ولم يملك سوابق عبرة : "حسبنا الله ونعم الوكيل" .
 
والحديث عن "إليوت" وشغف القوم به ، يفضى إلى الحديث عن كائنه أخرى ، وهي إفراط معلمي الأدب في دراسة الأجناس الأدبية الغربية ، ودراسة الشعراء والأدباء الذين كتبوا بغير اللسان العربي ، وهو جهد ضائع مهدر ، استفرغ فيه أدباؤنا وسعهم وطاقتهم فيما لا يجدي نفعاً، لا في أدبنا ، ولا في أدب الغرب ، ولا يذهبن بك الوهم فتظن أن إنجليزيا يلتمس تعريفاً بشكسبير أو تحليلاً لأدبه عن كاتب عربي استهلك وقته وعمره في دراسته . يقول شيخنا محمود شاكر : "رأيت قط رجلاً واحد من غير الإنجليز أو الألمان مثلاً ، مهما بلغ من العلم والمعرفة كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية وخصائص لغتها ، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية ، وفي حياة المجتمع الإنجليزي ، يدين له علماء الإنجليزي بالطاعة والتسليم ؟ .
 
نعم ، شغلنا بأدب الغرب وفكر الغرب شغلاً تاماً ، حجزنا عن النظر في موروثنا الضخم الذي أبدعته وحملته أجيال وفية ، وعلى امتداد أربعة عشر قرناً من الزمان، فكان حالنا في ذلك كالذي قاله إبراهيم بن هرمة : 
 
كتاركة بيضهـا بالعـــراء وملبسة بيض أخرى جناحا 
 
وكالذي قاله ابن جذل الطعان : 
 
كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا 

الصفحات