أنت هنا

قراءة كتاب الدافعية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الدافعية

الدافعية

انقضت سنوات عديدة على صدور آخر مؤلف لي، ومنذ ذلك الحين بدأت تراودني وتعاودني الأفكار حول الموضوعات التي يجب أن أكتب بها، وحقيقةً تبين لي كلما ازدادت احتفالات عيد الميلاد الشخصي، وزاد الإنتاج الأدبي كلما نضجت الأفكار وأينعت المساهمات الفكرية السابرة، وتكشفت

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

دارون (والنشوء)

إن تطور مفهوم الحيوان والتعاظم في الآلات كشف عن مشكلة لبيولوجي القرن التاسع عشر فالآلات نجحت! وظهرت جملة من الدراسات الدقيقة والمذهلة في عالم الحيوان، وتم التوصل إلى أن السلوكات الحيوانية بمثابة حزم من الأفعال المنعكسة كما افترض Descartes، فكيف أنها ذات أفعال منعكسة ضرورية لأداء أعمالها اليومية من إيجاد الطعام وتجنب الأخطار من أعدائها، والبحث عن الصوف أو الحصير والاعتناء بصغارها؟
لذا فاجأ العالِم شارلس داروين في عام 1859 بنشر كتابه الأول (أعضاء الأجناس).
وتبين فكرة Darwin ببساطة أن على الحيوانات أن تكون لديها خصائص بنيوية وسلوكية مطلوبة لتعيش ولتتوالد ضمن موطنها. وتلك التي لم تتوفر لها هذه المتطلبات لم تترك خلفاً لها، والحيوانات الحية اليوم هي خلف تلك التي حازت على تلك المتطلبات، فالحيوانات التي عملت على توفير تلك المتطلبات ما زالت هنا، والأجناس التي لم تعمل على توفير المتطلبات للبقاء لا نراها الآن.
فسرت هذه النظرية ليس فقط لماذا تعمل الحيوانات الحديثة فحسب، بل أيضاً من أين جاءت الأجناس الحديثة وكيف أن الأجناس المختلفة تطورت من سلف شائع ومتفرد. وذلك من خلال ثلاثة أفكار رئيسية هنا: أولاً: التغيرية، الحيوانات تختلف عن بعضها البعض، وكشأن الفروق الفردية بين الناس توجد فروق بين الجنس الحيواني الواحد. ثانياً: التوارث: فالحيوانات تمرر خصائصها الوراثية لذريتها، ثالثاً: الاختيار، فالتغير يعني أن بعض الأعضاء من الجنس تتأقلم بشكل أفضل من الآخرين مع البيئة التي يعيشون فيها. وتلك التي تتأقلم بشكل جيد أكثر احتمالاً ليكون لها ذرية بحيث أنها ستمرر خصائصها. وتلك التي لا تتأقلم ستكون ذات صفات غير قابلة للتوارث، وهكذا ستضعف خصائصها عبر الأجيال القادمة، وهذا ما يعرف بضغط الاختيار بواسطة البيئة التي تعيش فيها الأجناس.
ومثال آخر: أن بعض أعضاء الأجناس يكون لها رقاب أطول من الآخرين.
والآن افترض أن تغيرات الطقس أو الهجرة بواسطة الحيوانات تضعها في بيئة حيث يكون الطعام نادر على الأرض ووفير في الأشجار العالية، وهنا ستكون الحيوانات ذات الرقاب الطويلة أكثر احتمالاً للذهاب للطعام ولديها فترة التكاثر أطول للتوالد. وإذا استمر ذلك لفترة كافية وكان طول الرقبة صفة وراثية فإن مثل الأجناس طويلي الرقاب يميلون لإنتاج نسل ذو رقاب طويلة وسيزيد معدل طول الرقبة في الأجناس تدرجياً.
وهنا أصبح لدى نظرية Darwin في النشوء غالباً ما تم عرضها كصراع من أجل البقاء بين الحيوانات في العالم ولكن في الحقيقة هذا ليس ما قاله Darwin أنها ليست صراع شديد من أجل البقاء بل سباق لإنتاج أكثر عدد من الأخلاف، فالحيوانات التي أصبحت متأقلمة جيداً مع بيئتها تركت أخلاف أكثر من تلك التي لم تتأقلم... ولهذا تعتبر الحيوانات الحديثة جيدة التأقلم مع بيئاتها لأنها عبارة عن تلك الأخلاف.
ويمكن أن تتلخص نظرية داروين في المضامين التالية:
أولاً: فهي تتضمن - كما أوضح Darwin - أن الآليات المسيطرة على السلوك في الأجناس يجب أن تتأقلم مع البنية التشريحية للأجناس. فالدجاج ينقر في الطين بمناقيره، وتصطاد النمور الطعام في مخالبها وتعض بأسنانها، لكن البنية التشريحية - الأسنان، والمخالب والمنقار - قد تكون بدون فائدة إذا لم تقم أجهزة السيطرة في الدماغ ببرمجة الحركات الملائمة وتربطها بالحافز المناسب. لذا تخيل نمراً يحاول النقر في الطين.
ثانياً: تتضمن النظرية استمرارية بين النوع البشري والحيوانات الأخرى. تراجع Darwin عن هذه النتيجة في كتابه «أعضاء الأجناس» ولكنها كانت واضحة وفي كتابه «سلالة الإنسان» والتي أطلقها بصراحة حول أن القرد هو أصل الإنسان.
وحتى الآن يمكن للمرء أن يجادل - كما فعل Descartes - بأن قدرة النوع البشري على التبرير جعلت جنسه مختلف جوهرياً عن الأجناس الأخرى. فالحيوانات ذات أفعال منعكسة وفطرية مدمجتان معاً - وأن العقل ذات انعكاس بيئي رحب.
ولكن إذا كان الجنس البشري عبارة عن منتج للنشوء مثل أي نوع فلا يمكن لهذه التفرقة أن تبقى لمدة أطول. فإذا كان البشر والحيوانات الأخرى لديهم أسلاف مشتركة فبالتالي يجب أن تكون عقولنا - مثل أجسامنا - متعلقة بتلك الحيوانات. فقد تكون عقولنا أفضل من الغرير (حيوان ثديي) كما أن براثن (أقدام) الغرير أفضل للحفر من أقدامنا ولأنها ملزمة بأن تختلف فقط في الدرجة وليس في النوع.
إذا قمنا باستبعاد التسميات - فالحيوانات لديها فطرة (غرائز) والإنسان لديه عقل - فإن هناك طريقتين لتجسير الفجوة بين الإنسان والحيوان وهي واضحة.
فقد نسأل أولاً: هل للبشر فطرة (غرائز)؟
ثانياً: هل لدى الحيوانات عقول؟ دعونا نتناول الثاني أولاً.
هل لدى الحيوانات عقول؟
إذا كان للبشر عقول وإذا كان هناك استمرارية بين البشر والحيوانات فإذن يجب أن يكون لدى الحيوانات عقول. وإذا كان باستطاعتنا اكتشاف كيف عملت عقول الحيوانات فإذن يجب أن نفهم العقل البشري بشكل أفضل أيضاً.
وهذا ما تبين من خلال إخضاع الحيوان من خلال التجارب للمتاهات لتقوم بحلها وبدأت دراسة تعلم الحيوانات. وكان البارز في الأبحاث المبكرة التي قام بها Edward Thorndike (1874-1949) في أمريكا.
بينت تجارب Thorndike أنه في الحيوانات - كما في البشر - يتأثر السلوك بعواقبه فسلوك الحيوانات ليس غريزياً بحتاً، ولكن يمكن أن يُعدل سلوكها بالثواب والعقاب، وبهذا المفهوم فهي ذات عقول من نوع ما، فهي تستطيع فعل الأشياء التي يمكن أن نسميها فكرية (عقلية) إذا قام بها البشر، وهكذا عنون Thorndike دراسته «ذكاء الحيوان».

الصفحات