أنت هنا

قراءة كتاب الزيت المبارك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الزيت المبارك

الزيت المبارك

رواية "الزيت المبارك"، للكاتب الأردني أكرم السواعير، الصادرة عن دار العثمانية للنشر والتوزيع، نقرأ من مقدمة الكاتب:
ذاكرة الإنسان شيء عجيب ومن أعجب ما خلق الله!
كيف يتم التخزين فيها؟
كيف يتم ترتيب المعلومات؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

وهكذا في كل عام نجدهم ينبعون فجأة من حيث لا ندري، وينصبون خيامهم في نفس المكان، ويدعونا حداؤهم الغريب للانتباه:
يا غليم يا غلام
لا ترح درب الشمال
يوخذك التركملي
يعمل فيك كان مان
يعمل من جلدك رباب
للشيوخه والشباب
ثم تبتلعهم الأرض فجأة كما حضروا فجأة.
وقد نفتقدهم عاماً أو عامين متلاحقين، وكأنهم قرروا الاستقرار، ثم يظهرون فجأة وبنفس المواصفات.
مسحت أمينة فمها، وتناولت الغليون بلطف وحنان، وكأنه قطعة أثرية من قوم عاد البائدين.
حملت حجره الكبير الذي ملأ راحتها، وراحت تنظفه بالسلك الصغير المعلق وتفرغ محتوياته المتفحمة في العلبة المستديرة أمامها.
تسحب سلكاً طويلاً من تحت (النملية)، وتأخذ ذهاباً وإياباً بتسليك عصا الغليون الطويلة التي تقارب الذراع.
هذه العصا التي جلبها لها حاتم من مطارق شجر الدفلى النامي على ضفاف الوادي الكبير، حيث قامت بتجويفها من الداخل بواسطة سلك محمى بعمل دؤوب وقلب صبور، وبعد ذلك قشرتها من الخارج وهذبتها بالسكين.
لفت قطعة قماش صغيرة على الطرف المدبب للعصا، وأعادته إلى بطن حجر الغليون وبرمته بيديها حتى اطمأنت إلى ثباته.
مدت يدها داخل الكيس القماشي الصغير الذي يرافقها في تنقلاتها، وأخرجت منه حفنة من عيدان الهيشي، وقذفتها داخل الحجر وكبستها بإبهامها، ثم وضعت الحجر على الأرض بحنان وكأنها تضع مولوداً غض الإهاب في فراش النوم.
أمسكت طرف العصا بفمها، وأخذت بيديها الاثنتين الممدودتين تشعل قطعاً من الأوراق بقداحتها الكازية القديمة، وتسويها على ظهر الهيشي، وهي تسحب النفس تلو النفس محاولة إشعاله دون فائدة. يرتفع صوتها متأففة ساخطة:
- «يا عمي، الهيشي مغشوش، التجار قليل منهم يخافون الله!»
يشعل حاتم أوراقاً تلو أوراق، وهي تسحب الأنفاس، وكأنها تقوم بعمل إنساني كبيريتساءل حاتم باهتمام:
- «أنا لا أدري كيف يستطيعون غش الهيشي!»
تجيبه بثقة واطمئنان وهي تحرك يدها اليمنى:
- «أنت ما الذي يدريك! الهيشي الأصلي لا يقطف في كل وقت. الهيشي الأصلي يقطف ليلا في ليلة بدرية (قمرة)»
وبعد جهد جهيد تدخل العصا بين الوسطى والسبابة والإبهام في يدها اليمنى، وهذا إيذان بابتداء الكيف، حيث احمر ظهر الغليون، وتوهج الجمر مع الأنفاس المتلاحقة.
تتصاعد أمواج كبيرة من الدخان الثقيل الذي يحجب الرؤية لتشبعه بالشوائب الكثيرة.
تسعل أمينة مراراً، وتبصق في العلبة أمامها، ثم تغطي فوهة العصا بقطعة قماش لتصفي الدخان الصاعد إلى رئتيها.
يقول لها ناصحاً مشفقاً وهو يعرف جوابها المسبق:
- «يا أمي! الدخان ضار، وبالذات الهيشي حارق محرق»
فتجيبه بحماس وهي تهز يدها:
- «يا ولدي! الحاجة (فضة) عمرها فوق المائة، وصحتها حديد، وهي تسحب على الغليون أكثر مني»
- «يا أمي! الشيوخ يحرمونه»
فترد عليه من بين سحب الدخان التي ملأت أجواء الغرفة، وبدأت تخرج من الباب كأنها أفاع بيضاء صاعدة:
- «يا وليدي! في آية.. في حديث!» ثم تضيف في ثقة:
- «الهيشي - يا وليدي - يمنعني من الغيبة والكلام على الناس، فعندما أقعد مع النسوان أكظم على عصا الغليون، وأدخن وأسمع ولا أطلق كلمة!»
تصمت وتسحب نفسا وتضيف إلى الغليون كمية أخرى من الهيشي، فتنتشر مرة أخرى سحب غامقة جديدة.
تضيف أمينة وقد رقت عباراتها قليلا وكستها غلالة من الحزن القديم:
- «الدخان - يا وليدي - يريحني وينسيني همومي، كما قال الشاعر عقاب:
حمام يلي تزعج الصوت بلحوننوحك طرب منت مثلي معنّى»

الصفحات