أنت هنا

قراءة كتاب الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي بين المحفزات والمعوقات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإصلاح السياسي  في دول مجلس التعاون الخليجي بين المحفزات والمعوقات

الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي بين المحفزات والمعوقات

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الأخير موجتين للإصلاح السياسي، كانت الأولى في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وجاءت الأخرى في نهاية ذلك العقد، ومطلع العقد الحالي، وكلتا الموجتين وضعت النظم السياسية الخليجية على أعتاب مرحلة جديدة، إتجهت فيها إلى تحد

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

المطلب الأول: فكرة الإصلاح

ليس هناك إجماع على تعريف شامل لكل أبعاد الإصلاح, فالنظر إلى الإصلاح، ومحاولة تعريفه من قبل الباحثين تتأثر بالحقل العلمي للباحث وبالمنظور الذي ينطلق منه الراغب في تعريف الإصلاح، وبالعودة إلى مرجعيتنا التراثية التي نقصد بها مجموع ما يندرج تحت مفهوم ( الفكر العربي الإسلامي) أي منذ ظهور الإسلام إلى القرن الثامن عشر, نرى بإنه ليس هناك في المعاجم العربية القديمة أي تعريف للإصلاح غير القول( الإصلاح ضد الإفساد)، وإذا رجعنا إلى معنى ((الإفساد)) ردتنا إلى الإصلاح بقولها: (الإفساد ضد الإصلاح). في حين نرى في المرجعية الأوربية التراثية منها، والمعاصرة، وبالعودة إلى المعاجم اللغوية الأوربية أن كلمة(Reform)، وهي الكلمة المقابلة لكلمة الإصلاح تعني: إعطاء صورة أخرى, أو إعادة تكوين شي ما ليبدو بمظهر جديد.
وفي المفاهيم المتخصصة, نرى أن الإصلاح مفهوم يطلق على التغيرات الاجتماعية أوالسياسية التي تسعى لإزالة الفساد، وإصلاح السلبيات
(Reform means social or political change that seeks to remove courrption).
وقد عرفت الموسوعة السياسية الإصلاح بأنه (تعديل غير جذري في شكل الحكم, أو العلاقات الاجتماعية دون المساس بأساسها, وهو خلافا لمفهوم الثورة ليس سوى تحسين في النظام السياسي الاجتماعي القائم, دون مساس بأسس هذا النظام, إذ أن الإصلاح يشبه الدعائم الخشبية المقامة لمحاولة منع إنهيار المباني المتداعية، ويستعمل للحيلولة دون الثورة أو لتأخير وقوعها).
وربطت (الأنسكلوبيدية) البريطانية مصطلح الإصلاح ((Reformation)) بالحركة الدينية الإصلاحية التي بدأت في القرن السادس عشر، لتطهير الكنيسة المسيحية أخلاقياًً وعقائدياًً على أسس قواعد العهد القديم، والتي سريعاً ما امتدت إلى الجوانب السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية في جميع الكرة الأرضية. آذ عندما يذكر الإصلاح في أوربا (كأسم علم )، فإن الذهن ينصرف مباشرة إلى الإصلاح الديني الذي شهده القرن السادس عشر، والذي ارتبط بأسم رائده الأول الراهب الألماني (مارتن لوثر) الذي أدت حركته إلى قيام المذهب البروتستانتي منشقا عن الكنيسة الرسمية الكاثوليكية.
أما في المجتمع العربي، فإن فكرة الإصلاح السياسي، والدعوة له لم تكن وليدة الوضع الراهن في واقعنا العربي , فقد بدأت هذه الدعوة منذ قرون عدة دعى فيها المفكرين والمثقفين إلى إصلاح أحوال الرعية، وإصلاح شؤون الحكم. وهناك شواهد دالة على عمق فكرة الإصلاح في المجتمع العربي سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو الاجتماعي : فعلى المستوى الفكري بدأتها الإصلاحية الإسلامية والليبرالية العربية منذ العقود الأولى من القرن التاسع عشر في إطار كتابات سياسية جديدة صاغت أيديولوجية أصلاحية بلورتها نظريا في حدود الممكن، والمتاح من الأدوات المعرفية في ذلك الوقت, ككتابات (الطهطاوي) في دفاعه عن إنموذج الدولة العصرية, فضلا عن نقد الاستبداد السياسي والديني مع كل من (جمال الدين الأفغاني) و(عبد الرحمن الكواكبي), والدعوة إلى الإصلاح الديني مع (محمد عبده) ثم الدعوة إلى الإصلاح الإجتماعي وتحرير المرأة، وكل الأفكار التي تدعو إلى الحياة الدستورية، والنظام التمثيلي، وتقيد السلطة, وتطوير القضاء، وتكريس سلطة القانون, وإصلاح التعليم نرى هذه الأفكار مقدمتها في فكرنا الإصلاحي بين ثلاثينات القرن التاسع عشر والعشرين.  وفيما يخص المستوى السياسي، فأن بداياته تعود إلى حقبة مابين الحربين العالميتين أو ما يعرف باسم (الحقبة الليبرالية العربية) رغم أنها لم تعمر طويلا ومكتسباتها كانت متواضعة إلا إنها من جهة أخرى يمكن النظر إليها من جانب تأسيس مجال سياسي جديد وحديث يمثل فيه الدستور والتعددية الحزبية، والنظام التمثيلي النيابي, وحرية الصحافة والنشر موقع الأركان منه. حينما اتخذت عدد من الأقطار العربية التي حصلت على استقلالها في ذلك الوقت منهجاً على غرار النمط الغربي الأوربي مثل: مصر، والعراق، ولبنان، وسوريا، والأردن والمغرب، وتونس, ومارست نوعاً من أنواع الديمقراطية الليبرالية, كما تأسست جمعيات وأحزاب ومنظمات ليبرالية دعت إلى الإصلاح الاجتماعي عن طريق نشر التعليم الحديث, وتحسين وضع المرأة، ومناهضة النظم التقليدية, والدعوة إلى الديمقراطية والحياة الدستورية، والمشاركة السياسية والحياة البرلمانية.
وفي المستوى الاجتماعي الشعبي يمكن أن نشير إلى تراكم نضالي كبير في العمل السياسي والمهني من اجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي في الوطن العربي والكفاحات التي خاضتها شعوب الأمة العربية ضد الاستبداد من اجل الحرية والديمقراطية طيلة عقود طويلة من القرن العشرين, البعض منها للدفاع عن حقوق اجتماعية في وجه سلطة تتخذ قرارات منفردة، ولا تأخذ مصالح الشعب والنقابات في الاعتبار, كمواجهة قرارات تتعلق بالتعليم أو الزيادة في أسعار الخبز والمواد الأساسية, والبعض الأخر من تلك الانتفاضات كان سياسيا صرفا. أن تأثير هذه الانتفاضات رغم أنها كانت تنتهي بانتكاسة كبيرة يعقبها حملة إعتقالات واسعة كان عميقاًً في تنامي الوعي السياسي بالحقوق، وامتداد تنامي الإدراك في فشل النخب الحاكمة في حل معضلات المشاركة السياسية والحقوق الاجتماعية للموطن.
إلا إن مفهوم الإصلاح والتغير التدريجي بدأ يتقاطع مع تيارات أخرى ابتداءً من ثلاثينات القرن العشرين, وهي تيارات سياسية غير إصلاحية في خطابها الأيديولوجي، وذات طبيعة شعبوية أو ثورية, تـرى فـي الــثـورة الاجتـماعيـة، وفـي الانـقلاب الـعسكـري الـطـريـق الأمثل إلى الـتغيـير, كـالـتيـارات الإسلامية والقومية والماركسية رغم إن هذه التيارات لم تقاطع تماماً الخيار الإصلاحي التدريجي، كخيار تكتيكي إضطراري, كما فعل (الأًخوان المسلمون ) في عهد مؤسس حركتهم (حسن البنا), وحتى التيار القومي قبل دخوله في حقبة الإنقلابات العسكرية, وكذلك التيار اليساري باسم النضال من اجل مرحلة انتقالية (ديمقراطية ) نحو الإشتراكية.
وعاد مفهوم الإصلاح والتغيير التدريجي ابتداءً من النصف الأول من سبعينات القرن العشرين لأسباب عدة منها:
أولا: نكسة حرب ،1967والتطورات التي حدثت بعد حرب أكتوبر 1973، إذ أصبح واضحا إنهيار المشروع القومي, ومع نهاية الثمانينات من القرن الماضي إنهار المشروع الوطني الذي كانت تحمله العديد من الحكومات العربية ومن المعروف أن الحركة القومية العربية لم تصل إلى الحكم في أي دولة عربية عن طريق انتخابات حرة نزيهة, بل كان دائماً عن طريق الانقلاب العسكري أو عن طريق الثورات الشعبية ضد الاستعمار لكنها ضحت بالديمقراطية، وحقوق الإنسان في مقابل الوحدة العربية، ومواجهة الاستعمار، والصهيونية , إن مأزق الأيديولوجية القومية العربية، إنها كانت صيغة (أما/ أو) فأما الحقوق المدنية والسياسية، أو الوحدة والاستقلال والتنمية الاقتصادية وكان يغلف هذا الممارسات القمعية، والفساد، وتهميش المعارضين، وإقصاؤهم عن الحياة العامة.
وقد أصبحت النظم العربية الحاكمة إزاء منعطف جديد من التطور السياسي الذي تمثل بتخلي هذه الحكومات عن تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبذلك سحبت بنفسها شرعية وجودها على المستوى الداخلي, إذ مبرر استلامها للسلطة منذ مطلع خمسينات القرن الماضي هو تنفيذ تلك البرامج التي لم تنفذها السلطات السابقة لها والتي غرسها الاستعمار منذ مطلع القرن العشرين. ومما مكن هذه النظم من الصمود خلال حقبة الحرب الباردة وجود قطبين عالميين يسمحان بتمحور هذه الدول حولهما.
وبانهيار مشروع هذه الأنظمة العربية الحاكمة فشل المشروع القومي التحديثي الذي كانت تحمله السلطات العربية التي وصلت إلى الحكم بعد الحرب العالمية الثانية, وفشلت مشاريع المعارضة الوطنية (القومية والاشتراكية ) السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وأدى فشل المثل الوطنية والقومية والاشتراكية إلى إنهيار الطموح والآمال التي كانت تتطلع إليـها الجمـاهير العربـية، والمـتمثلة في الحـريـة المساواة والتطور الاقتصادي والاجتماعي وأخذت الجماهير العربية تسعى للخروج من هذه الوضعية وتعول على أهمية العودة إلى الإرث الثقافي والديني, آمله أن تعثر على ما يعينها لمواجهة المآزق السياسية والاجتماعية التي تواجهها.
وأدت هذه المراجعة إلى تبلور تيارين فكريين يتنازعان للسيطرة على الشارع السياسي، الجماهيري, الأول يمثل الاتجاه الليبرالي, وهو يرى ضرورة تبني القيم الليبرالية التي ثبت نجاحها في العالم المتمدن،والاتجاه الآخر وهو يمثل النخب السياسية المحافظة التي تثمن القيم الإقليمية القديمة ,وتجمل صفحة الخطاب القومي, وتحاول بواسطتهما مقاومة الشعور بالعجز الذي لحق بها. وإن نجاح المشروع الليبرالي والفكر الليبرالي يعتمد على مدى سيطرته على الشارع السياسي الجماهيري بنزاعه مع التيار الثاني الإسلامي السياسي.

الصفحات