شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الأخير موجتين للإصلاح السياسي، كانت الأولى في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وجاءت الأخرى في نهاية ذلك العقد، ومطلع العقد الحالي، وكلتا الموجتين وضعت النظم السياسية الخليجية على أعتاب مرحلة جديدة، إتجهت فيها إلى تحد
أنت هنا
قراءة كتاب الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي بين المحفزات والمعوقات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الإصلاح السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي بين المحفزات والمعوقات
أن هذه الخطوات تعبر عن حقيقة مهمة , وهي إن الإصلاح السياسي لايتم الا بإصلاح جوهر الحكم , الذي يبدأ من أصلاح نسق الحكم بفضل تمثيل نيابي حر ونزيه وفعال, لكي يصبح صوت الناس مسموعاًً، وتصان مصالحهم وينتهي بإصلاح الخدمة المدنية بإصلاح نسق الكسب في الخدمة الحكومية بفضل كفاية الأجور, وإزالة التفاوتات بين قطاعات الخدمة المدنية, واعتماد الإدارة العامة الصحيحة , بما في ذلك اعتماد الجدارة كأساس للتعيين والترقية ولإنهاء الخدمة في الحكومة. فالتغيير الذي يستلزمه الإصلاح يتم عن طريق القنوات السياسية التي تنظمه, وتضبط حركته وترعاه، وتنسق بين مساراته وبهذا فأن الإصلاح السياسي يرتبط ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي، ومخـتلف التغييـرات النفسـية والاجتماعـية الأخـرى، ولـذلـك فـإن قــدرات الأجـهـزة الحـكومية بمـختلف تخصصاتها, لابد لـها من إن تـتطور حتـى تـتمـكن مـن التـعامـل مـع المـهـام والــواجبات المتضـمنـة فـي عمـلـيات التـغيـير الاقـتصــادي والاجـتماعـي والـثقافـــي.
كذلك هناك ضرورة تكوين وعي عام لدى مختلف الجماعات بأهمية التغيير، وضرورته وفوائده, فضلاً عن المشاركة السياسية والتعبئة النفسية وتطبيق المفاهيم العقلانية في الجوانب الاجتماعية والاقـتصادية والسـياسية لـتحل مـحل المفــاهيم التقـليديـة, وبخـاصة الـمتسمـة بالـجـمود.
وهنا لا بد أن نذكر أن التحدي الذي يواجه الإصلاح السياسي يتمثل في الآثار التي تنجم عن عملية التغيير الاجتماعي، إذ إنه مع زيادة المشاركة الشعبية في الأنشطة العامة يمكن إن يؤدي ذلك إلى زيادة حدة الصراعات الاجتماعية بسبب ضعف قيم المجتمع التقليدي، وتأكلها تحت وطأة زيادة معدلات التعليم والتحضر, ويؤدي ذلك إلى وجود قيم جديدة تحل محلها,وفي إثناء عملية التغيير فان تغيير الولاء السياسي إلى الولاء الوطني لن يكون مهمة سهلة، إذ أن البنى السياسية التقليدية تظل مؤثرة في أنماط السلوك لمدة طويلة بسبب كونها عميقة الجذور في المجتمع.
وهذه الإشكالية تبرز بشكل واضح عند الحديث عن الإصلاح السياسي في الوطن العربي ,وذلك نظرا لوجود فجوة كبيرة بين أنصار الإتجاهين(القديم) و(الحديث)، وتتسع الفجوة أكثر عندما يرتبط التغيير بضغط خارجي , وهو ما قد ينجم عنه ضياع هدف التغيير والانزلاق نحو الصراع الداخلي.
ولذلك تفترض عملية الإصلاح السياسي في المجتمع العربي التخلص من بقايا السلطات التقليدية, وهذه الحالة تفترض وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي ما تزال تؤثر سلبيا في اتجاهات الأفراد والمجتمع. فمثلاً لابد من إن تبدأ عملية نفسية وإجرائية لجعل الأفراد يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم ومصالحهم وطموحاتهم. وهنا يفترض إن يتسع المجال للتغيير المؤسسي، واستمرارية تغيير النظام السياسي , بحيث يكون لدى الإفراد القابلية للموافقة على الإشكال الجديدة للسلطة والتنظيمات السياسية، والطرق الجديدة لتداول السلطة, وتقدير السياسيين وفقاًً لمعايير موضوعية، وليست تقليدية.
إلا إن الأنظمة العربية التي أفرزت نخبا سياسية إرتبطت مصالحها بالشكل السياسي المتمثل بمصالح ضيقة، وارتباطات خارجية, عملت في سبيل تعطيل أي خطوة لمصلحة الشعوب العربية . وعندما توفرت أهم فرصة للإصلاح السياسي بعد انتهاء الحرب الباردة حاولت النخب العربية الحاكمة إن ترفع شعارات التعددية السياسية , وحقوق الإنسان, وأنشأت عشرات الأحزاب, وعشرات المنظمات السياسية و المهنية وغيرها, وكل ذلك كان موجها إلى الخارج, وبشكل مظهري دون أية إجراءات عملية للإصلاح.
والمثال على هذه الإصلاحات الشكلية , المبادرة المصرية للتحول بالية اختيار رئيس الجمهورية من الاستفتاء إلى الانتخابات على أساس تعددي وذلك بتعديل المادة (76) من دستور العام 1971، والتي تنظم اختيار الرئيس المصري هذه المبادرة أحاطت التعديل بمجموعة من الضوابط التي تجعل التنافس نظريا أي لايؤدي إلى تداول حقيقي للسلطة , لأنها لم تحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية فضلاً عن وضع شروط تعجيزية لترشيح المستقلين التي تتمثل في تزكية (250) عضواً من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية . وكذلك بالنسبة لترشيح الحزبيين بإشتراط انقضاء خمس سنوات على تأسيس الحزب، واختيار المرشح من أعضاء هيأته العليا، وتمثيل حزبه بنسبة 5% من مقاعد مجلسي الشعب والشورى . كما إن الحكومة المصرية تعمل إلى إعادة صياغة القوانين الاستثنائية تحت مسميات جديدة,ففي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن وقف العمل بقانون الطوارئ الساري المفعول منذ العام 1981 يجري الحديث عن الإعداد لقانون مكافحة الإرهاب , إذ يتم استبدال مسمى بأخر من دون مضمون.
ولذلك؛ فإن حديث الأنظمة العربية عن الإصلاح السياسي والدستوري مثلما سبقت الإشارة اليه , يبدو حديثا دعائيا غير واقعي بسبب مخالفته للواقع ويخشى إنه إذا استمر الحال على ماهو عليه إن يعتاد الناس على هذا الواقع , أو تؤدي دعوات الإصلاح إلى عكس أهدافها . وهذا الأمر يحتاج إلى سعي عملي ملموس لتحقيق أوسع مجال للتآزر الشعبي في البلاد العربيه , ويقع عبء ذلك بصورة كبيرة على الأحزاب السياسية.