كتاب "الدعوات القومية، نشأتها – تطورها - حكم الاسلام فيها"، هذا البحث المتواضع ذكر عن نشأة الدعوة القومية، ومناهج دعاتها، وموقف الغرب من نشرها، وحكم الإسلام فيها، ولماذا اختار الله العرب لحمل رسالة الإسلام، وما موقف المؤرخين من العرب في العصر الجاهلي، وأنهي
أنت هنا
قراءة كتاب الدعوات القومية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
الإسلام والعصبية القبلية
كانت العصبية القبلية سببا مهما من أسباب صد الناس عن صراط الله المستقيم، حين أرسل الله محمدا. فقد كانت القبائل العربية تتبارى في الشجاعة والكرم والغيرة والنجدة وكل خلق كريم، ولا تخشى من شيء خشيتها أن تسبقها إلى تلك السجايا والمثل العالية قبيلة أخرى من القبائل. وننظر في المجتمع الذي بُعث فيه النبي، فنجد فيه ناسا كانوا يعرفون صدقه ، وانّه نبي الله بحق، ولم يمنعهم من الإيمان بنبوته إلا الحسد القبلي الذي سدّ عليهم طريق الهداية. ويدلنا على هذا ما كان من أبي جهل حين سأله الأخنس بن شريق عن رأيه فيما سمعه من آيات كان يتلوها رسول الله بالليل في داره، فقال أبو جهل:
((ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنّا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه)).
ولم يكن هذا رأي أبي جهل وحده، بل هو رأي الكثير من الكفار والمشركين الذين ناصبوا رسول الله العداء.
وإذا كانت بنو هاشم وبنو المطلب قد دافعوا عن النبي، ولم يسلموه إلى المشركين، وانحازوا مع المسلمين، ودخلوا معهم شعب أبي طالب لمّا قاطعتهم القبائل، فإنّ ذلك لم يكن إلا بسبب العصبية القبلية. ولم يسلم اليهود مع علمهم أنّ محمدا رسول من الله بحق بسبب العصبية النسبية. فقد كانوا يتوقعون أن يبعث النبي المرتقب من بني إسرائيل، فلما بُعث من بني إسماعيل كذّبوه ولم يؤمنوا بدعوته، وانحازوا إلى المشركين، وتآمروا عليه.!
مفهوم القومية بين الجاهلية والإسلام
ولقد اتجه الإسلام بالقومية اتجاها يختلف عن اتجاه الجاهلية. فقد كان مفهومها في الجاهلية: العصبية للأهل والعشيرة والقوم والدم؛ ونصرتهم في الحق والباطل كما قال الشاعر الجاهلي قريط بن أنيف:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم
في النائبات على ما قال برهانا
لكن يسيرون أشتاتا إذا فزعوا
وينفرون إلى الغارات وحدانـا
لذلك كثرت الحروب القبلية بينهم، فغيّر الإسلام هذا المفهوم فجعله متمثلا بالفكر الإسلامي: بعقيدته وشريعته. ونجد في المجتمع الإسلامي الأوّل ناسا لم يتشرّبوا هذا المعنى الإسلامي للقومية، فتعجبوا من حماسة غير العرب من الموالي مثل بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي من حماستهم لدعوة النبي العربي مع أنّهم غير عرب ولا يمتّون إليه بنسب، فلمّا علم النبي الكريم بذلك أمر بدعوة النّاس إلى المسجد، وخطب فيهم قائلا:
((أيّها النّاس، إنّ الرب واحد، والأب واحد، وإنّ الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنّما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي)).
وبهذا جعل النبي للقومية مفهوما آخر غير المفهوم الذي كان عليه القوم في الجاهلية: إنّها اللغة العربية لأنّ القرآن لا يُفهم إلا بها، والمجتهد لا يكون مجتهدا إلا إذا كان ملمّا بها: نحوا وبلاغة...لذلك لابد أن تكون دولة الإسلام عربية بهذا المفهوم.
وهذا لا يعني أن يتجرّد الإنسان من حبه لقومه، فإنّ هذا شيء فطر الله النّاس عليه، ولكنّه يعني أن يكون عادلا في احكامه على الأشياء كلّها: فلا ينصر قومه إذا كانوا ظالمين، بل يعمل على منعهم من الظلم، فحين سأل الصحابي (وائلة بن الأسقع) رسول الله قائلا:
((يا رسول الله، أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟))
فأجابه النبي الكريم بقوله:
((لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم..)).