أنت هنا

قراءة كتاب المجتمع المدني والديمقراطية - مقاربة تحليلية في ضوء التجربتين السياسيتين الغربية والعربية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المجتمع المدني والديمقراطية - مقاربة تحليلية في ضوء التجربتين السياسيتين الغربية والعربية

المجتمع المدني والديمقراطية - مقاربة تحليلية في ضوء التجربتين السياسيتين الغربية والعربية

اجتاحت المجتمع الانساني ، خلال العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين تحولات كبرى بلغ من عمقها واتساع نطاقها ، ما يجعلها جديرة بوصف " الثورة العالمية " وبخاصة بعد ان امتدت اثارها لتطال كل اوجه الحياة وعناصرها ، محدثة فيها تغيرات جذرية شاملة .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 5

ثانياً : المجتمع المدنى

ان استقلال النظامين السياسي والاجتماعي وتخصصهما الوظيفـي كأساس للشكل الجديد للسلطة السياسية (الدولة)، قد مهد ايضاً لظهور مفهـوم جديد هو " المجتمع المدني " بوصفه مقابلاً في اطار الدولة ومكافئاً للسلطة السياسية الحاكمة، وليكون ركناً اخر الى جانب السلطة السياسية في بنية المفهوم الكلي الذي يحتويهما " الدولة " . وبذلك يكون استقلال احدهما وانفصاله عن الاخر شرطاً لاستقلال الثاني وانفصاله عنه، وهو ما حدث بصورة متداخلة كلياً في اطار تجربة بناء الدولة والحداثة في الغرب الى الحد الذي يتعذر معه تعيين ايهما اسبق استقلالا وانفصالا عن نظيره مما جعل تعريف احدهما وتعيين حدوده مدخلا لتعريف الثاني وتعيين حدوده .
وهكذا فأن تعريف السلطة السياسية من حيث هي " المؤسسات والهياكل والاليات المختصة بالاحتكار الشرعي قانونيا واجتماعيا . لسلطة ممارسة وظائف الحكم وحق ادارة الشؤون العامة للمجتمع وضبط علاقاته وتفاعلاته الاجتماعية وتوجيهها داخلياً " سيترتب عليه تعريف " المجتمع المدني " بأنه " المؤسسات والهياكل الإجتماعية المستقلة وجودياً ووظيفياً عن مؤسسات السلطة السياسية وهياكلها ، والعاملة خارج نطاقها لحماية مصالح اعضائها وتحقيق اهدافهم " . وحيث ان ظهور " المجتمع المدني " وتحديد مؤسساته ونطاق اختصاصه، قد أرتبط من جهه بمقدمات الحداثة الاوربية ونتائجها التي تلازمت فيها عمليتا هدم بنية المجتمع القديم وتفكيك مؤسساته وتداعي اسسه، مثلما ارتبط من جهه ثانية ببناء المجتمع الجديد واقامة مؤسساته وارساء اسسه .
فقد تأثر مفهوم " المجتمع المدني " بهذه العمليات من جوانب مختلفة ،وكانت احدى نتائج ذلك حصوله على صياغته الاصطلاحية اللغوية من تمييزه عن المجتمعين " السياسي والديني، " ليصبح دالاً على معنى الوجود الاجتماعي الخالص (المجتمعي لا السياسى،الدنيوي لا الديني ،المدني لا العسكري) .مثلما انه حصل على مؤسساته واسسه القيمية الفكرية ، من حلوله محل المجتمع التقليدي القديم القائم على النظام الاقطاعي والذي حل محله المجتمع الجديد "المدني " القائم على النظام الرأسمالي .
ان تغير القوى الطبقية الاجتماعية الفاعلة وتراتباتها وادوارها ،استدعى تغيراً موازياً في الانساق القيمية والفكرية السائدة ، التي كان لابد من أن تستبدل بها وتحل محلها ، انساق جديدة تعبر عن مصالح النظام الاجتماعي الطبقي الجديد واهدافه ، وتستجيب لتطلعاته ومتطلباته. فكان أن ظهرت في هذا السياق قيم الليبرالية والفردية، والحقوق والحريات الانسانية الاساسية ، ونظريات المصدر الشعبي الاجتماعي للسلطة ، ودولة القانون ، والفصل بين السلطات ، والعقد الاجتماعي، والارادة الشعبية ، والمشاركة المجتمعية في العملية السياسية ، وفقا لمبادي الحرية ، والمساواة، والمواطنة، والتعددية السياسية، والتداول السلمي الدوري للسلطة .
وبذلك تأكد ظهور "المجتمع المدني " واتساع نطاقه الى ما هو ابعد من حدود المعني الوجودي الوظيفي ، ليصبح دالا ايضا على اطار مفاهيمي يتضمن القيم والأفكار الجديدة التي تعبر عنه وتستجيب لضرورات استمراره ونشاطه في مقابل السلطة السياسية ذات التركيبة الدولتية وبموازاتها .وقد تجسدت هذه التحولات الاجتماعية والفكرية في الصياغة الجديدة لعلاقة المجتمع المدني بالسلطة السياسية وفقا للقيم والافكار الجديدة، تلك العلاقة القائمة على :-
1- استقلال السياسي عن الاجتماعي / المدني وتمايزهما وظيفيا ومؤسسيا .
2- تكامل السياسي والاجتماعي / المدني وتعايشهما تفاعلياً .
3- اختيار المجتمعى للسياسي على مستوى الافكار والسياسات والاشخاص ، وحقه في مراقبته ومحاسبته وتغييره سلمياً وشرعياً و دورياً .
4- مسؤولية السياسي عن تجسيد ارادة المجتمعي وضمان مصالحه وتحقيق اهدافه .
ولم يكن انجاز ذلك او الوصول اليه بالهين ولا اليسير ، لان السلطة اية سلطة ، لا يمكن ان تسمح بخلق من ينافسها او بوضع حدود على صلاحيتها وسلطاتها ، فهذا مما لا يتفق مع أي من المنطقين الفردي والاجتماعي للحياة الانسانية لذلك فان تعقيدا و تقنيا جديدين فرضا نفسيهما على علاقة السلطة السياسية بالمجتمع المدني في اوروبا الحديثة ، مما اسس الظهور نوع جديد من انظمة الحكم فيها ، بعيدا عن اشكال السلطة السياسية المقدسة والمطلقة التي كانت تعرفها من قبل .الامر الذي تطلب تحقيقه جهوداً وتضحيات كبرى من المجتمع المدني ، ساهمت في تأسيس الشكل السلطوي الجديد وفرضه على معارضيه ، بقدر ما قيدت هذا الشكل السلطوي وحصرت سلطاته وحددت اختصاصاته ، منعا لنموه استبداديا ، من جديد ، بما يتعارض تماما مع الاتجاه للعام للتحولات الجارية في كل جوانب الحياة . فبدت صورة العلاقة بين السلطة السياسية والمجتمع المدني ولوقت طويل اقرب ما تكون الي " اللعبة الصفرية " التي لا يربح احد اطرافها الا ما يخسره الطرف الاخر .وكان ذلك امرا طبيعيا ومنطقيا لان السلطة المطلقة وكما يقول جون لوك ( لا تتفق مع طبيعة المجتمع المدني ، فهي ليست شكلا من اشكال الحكم المدني قط ).
وبفعل الصراعات المتكررة بين السلطة السياسية والمجتمع المدني لينتزع كل منهما من الاخر اكبر قدر ممكن من المكاسب والحقوق ، فقد استقرت العلاقة بينهما في النهاية على مجموعة من المبادئ والقواعد والتشريعات ، التي اكتسبت تلك من العلاقة خلالها شرعية قانونية مؤسسية الى جانب شرعيتها الاجتماعية المدنية ، مما سمح لها بالاستقرار والتواصل عبر الزمان والمكان و هي محمية من انتهاكات الطرفين ومحاولاتهما لاختراقهما .
وتمثلت تلك المبادئ والقواعد والتشريعات في :-
- ميثاق التعاقدي بين متساوين
- تكافـــــــــــــؤ الحقوق والواجبات
- تكامـــــــــــــــل الوظائـف والادوار
فتم بذلك ضمان التوازن بين هذين الطرفين وتقليص احتمالات تعديل ميزان القوى بينهما لصالح طرف على حساب الاخر ، ليصبح اساس " الدولة " وقاعدة العلاقة بين ركنيها " السلطة السياسية والمجتمع المدني " هو الفصل بين السلطة العامة والحريات الخاصة ، وليس الفصل بين المجتمع والسياسة لانهما لاينفصلان.
بذلك تجسدت الدولة، وهي كما سبق القول جوهر الحداثة الاوربية ومقدمتها ونتيجتها ، في ثلاثة عناصر تكوينية :
1 – السلطة السياسية
2 - المجتمع المدني
3 - مبادئ التفاعل بينهما و ضوابطه و الياته
والعنصر الاخير هو ما اصبح يعرف بأسم " النظام الديمقراطي " وجوهره المشاركة الشعبية في العملية السياسية ، لتتخذ الدولة ونظام التفاعل فيها شكل مثلث متساوي الاضلاع قاعدته هي الديمقراطية / المشاركة السياسية الشعبية، التي يقوم عليها وجود السلطة السياسية والمجتمع المدني وتعايشهما وتفاعلاتهما، كضلعين متقابلين ومتكافئين في هذا المثلث .ليكون المجتمع المدني هو صانع الديمقراطية في الغرب الحديث ونتاجها مثلما أن الديمقراطية هي قاعدة علاقته بالسلطة واساس تفاعلهما .
هذا الوجود السياسي الاجتماعي المؤسسي القانوني ( الدولة ) ، استمد قوته وقدرته على الاستمرار من عناصر الشرعية الثلاثة التي يوفرها له تكوينه ونوعية علاقات التفاعل بين عناصره والمبادي والاليات المنظمة لها ،وهي الشرعية الدستورية القانونية التي توفرها التشريعات المعلنة والمقبولة اجتماعيا وسياسيا ، والشرعية التمثياية التي يوفرها تجسيد الدولة وسلطتها السياسية لارادة المجتمع المدني واهدافه ومصالحه، والشرعية الانجازية التي يوفرها مسوؤلية الدولة وسلطتها السياسية على العمل من اجل تحقيق اهداف المجتمع المدني وحماية مصالحه وانجاز رهاناته الحاضرة والمستقبلية .

الصفحات