البيان، علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.
أنت هنا
قراءة كتاب البيان القرآني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
والبيان : علم يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.
وهو التعفاوت كما عبر عنه الرسولصلى الله عليه وسلمبقول : (( إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن في حجته من بعضكم فاحكم له على نحو ما أسمع منه، فمن حكمت له من حق أخيره بشيء فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار ))، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى الرجل يثلجلج في كلامه يقول : (( خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد )).
وعلم البيان لتأليف النظم والنثر بمنزلة الفقه للاحكام، وأدلة الاحكام، وهو الذي يعطى العلوم منازلها ويبين مراتبها، ويكشف عن صورها، ويجني صنوف ثمارها، ويدل على سرائرها، ويبرز مكنون ضمائرها . وبه أبان الله تعالى الانسان عن سائر الحيوان، ونبه فيه على عظيم الامتنان، قال تعالى: {الرحمن، علم القرآن ، خلق الانسان، علمه البيان} ، وما سمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)افتخر بشيء من العلوم غير البيان قال صلى الله عليه وسلم: (( أنا أفصح من نطق بالضاد)) و (( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي، كان كل نبي يبعث في قومه وبعثت لكل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طيبة وطهوراً، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت جوامع الكلم)).
والبيان هو ترتيب المعاني في النفس ، والانتظام فيها على قضية العقل، ومن ثم فهو التغلغل إلى وثائق اللغة وأسرارها، علاوة على التخصص بكل ما يتفق عنه العقل البشري من علوم ومعارف، ومناهج وبحث، وطرائق استدلال، لذا فهو عملية نامية تعيش اللغة بكل أبعادها، وما يجد فيها من اضافة وتعميق ومفاهيم، مع متابعة القضايا العقلية، واستيعاب العصر ومعطياته الثقافية.
ولأمر ما شاء الله تعالى أن تكون معجزة القرآن الكريم بيانية، قال تعالى في محكم تنزيله { أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} وقوله { مفتريات} اقرار لهم بالبراعة اللغوية دون حصول العلم بالحقائق والمقاصد، ومن ثم حبطت محاولاتهم لأن البيان هو وحدة اللغة والعلم، وحدة لا انفصام فيها ، تماماً كما يلتقي الشعور والقلب والعقل في الشخصية الانسانية، ومن ثم تكون الامانة والتكليف من خلال وحدة الرؤية في ذلك كله، قال تعالى{ إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولاً} وقال تعالى أيضاً: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين} .
أما الأمثلة التي تدل على بهر فصحاء العرب ببيان القرآن ، ومعجزته العقلية، فهي كثيرة، ومثبوتة في كتب السيرة والبلاغة، وقد آمن سماع القرآن الكريم نفر كثير منهم : أبو ذر الغفاري، وأخوه أنيس، وجبير بن مطعم، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهم .
ويكفي أن نسير هنا إلى قصة الوليد بن المغيرة مع القرآن الكريم، وذلك بصفته أحد الفصحاء الذين كان لهم وزن في معرفة أسرار الكلم – كما يرويها ابن هشام - : اجتمع النفر إلى الوليد بن المغيرة في الموسم إذ قال لهم : { يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وأن وفود العرب ستهزم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاًن ويرد قولكم بعضه بعضا، قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيضاً نقول به، قال: بل أنتم فقولوا أسمع، قولوا: نقل كاهن، قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، قالوا: فتقول مجنون، قال: فما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخفقه، ولا تخالجه ولا وسوسته، قالوا: فتقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله: رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا : فنقول ساحر، قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم، قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر)).
كما روى أن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أرسل إلى لبيد بن ربيعة يطلب منه ما قاله في الاسلام من شعر، فانطلق إلى بيته فكتب سورة البقرة في صحيفة ، ثم أتى بها فقال: أبدلني الله عنده في الاسلام مكان الشعر )).
وفي العصور الوسيطة كان للبيان القرآني قدرة عجيبة على غزو القلوب وعمارتها ونشر الاسلام في قت كانت دول الاسلام مجزأة ضعيفة، ويكفي أن نسير في هذا الصدد إلى اعتناق المغول للاسلام في وقت كانوا فيه في أوج انتصاراتهم وأمجادهم العسكرية.
وهكذا تحول من كان يخطط للقضاء على البيان الاسلامي وتقويضه ليصبح الحامي عنه بل الناشر له.
فهذا المستشرق الانجليزي توماس أرنولد في كتابه " الدعوة الاسلامية" يروي قصة اسلام رجل مغولي يدعى تيمور خان، فيقول : إن اسلامه كان على يد شيخ فاضل من بخارى اسمه جمال الدين، وتفصيل ذلك أن هذا الشيخ اجتاز مع بعض المسافرين أرضاً اختصها الأمير لنفسه يقضي فيها فراغه في الصيد والقنص، فلما علم بمرورهم، وكان ذلك محظوراً ، غضب وأمر بشد وثاقهم واحضارهم إليه، وسألهم عما دفعهم إلى المرور من هنا، فقال الشيخ : إن قوم غرباء ولا يعلمون لمن حرمة تلك الأرض، فسألهم عن جنسيتهم فقالوا: إنهم فرس، فصاح بهم قائلاً: إن الكلاب أفضل من الفرس، فقال الشيخ : " صحيح لو لم نكن مؤمنين"، فدهش لما سمع، وتساءل عن معنى "مؤمنين" ، فقالوا: إننا نؤمن بالاسلام وأخذ يشرح حقائق الدين بحماسة إلى أن رقّ قلب الأمير، ووصف الشيخ الكفر وصفاً جعله ينفر منه، فأسلم . وبعد اعتلائه العرش أعلن إسلامه وتبعه قوم من المغول .