إن الدافع الرئيس من البحث في فكر جمال الدين الأفغاني يكمن في طرح مفكرنا إلى قضايا وحدوية ودينية وسياسية لها واقع في الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ،ولذا ارتأيت طرح هذه القضايا وتفسيرها معتمداً على المنهج العلمي في التحليل من خلال مؤلفات المفكر ،وأراء الباحثي
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
النشاط السياسي
أقسِّم هذا الموضوع إلى قسمين :
القسم الأول : عمليات الاغتيال والتهييج والثورة.
القسم الآخر : إنشاء الأفغاني للصحف والأحزاب والجمعيات المختلفة.
وقبل أن أتناول هذين القسمين بالدراسة , أريد أن أبين أمرين يتعلقان بهما , وهما:
1-إيضاح السبب الذي أدى بالأفغاني إلى لجوئه أحياناً إلى إتباع أسلوب التصفية الجسدية, وهو بالحقيقة سبب سياسي , كما سيمر معنا.
2-الكشف عن خبرة جمال الدين الأفغاني في التنظيم السري, وأكثر ما يتضح هذا الأمر عند الكلام على جمعية العروة الوثقى.
أما بالنسبة إلى القضية الأولى , فقد شجع الأفغاني ميرزا رضا الكرماني على قتل شاه إيران .(14)
أما السبب الذي أدى بالأفغاني إلى اتباعه هذا الأسلوب فهو حرصه على الحقوق المدنية للشعب الإيراني , الذي كان الشاه يقف ضدها بسياسته الضارة بمصالح المسلمين , وانطلاقا من المصلحة العامة, اعتقد الأفغاني بأن الشاه ناصر الدين لا يصلح لحكم إيران بدليل تعاونه وتهادنه مع الانجليز (9)
وإضافة إلى ماسبق , اتفق الأفغاني مع محمد عبده على اغتيال الخديوي إسماعيل في أثناء مروره على كوبرى قصر النيل؛ لأن الأفغاني كان متفقا على برنامج للحكم مع الخديوي توفيق الذي نجح الأفغاني في ضمه إلى محفله الماسوني.
يقول محمد عبده : ((إنه من المؤكد أننا كنا نتكلم سرا في هذا الشأن)) , وهو يقصد بذلك خلع الخديوي إسماعيل حاكم مصر في ذلك الزمان , ثم يخبرنا عبده أن الأفغاني كان مصمما على قتل إسماعيل , وقد اقترح عليه أن ينفِّذ عملية الاغتيال , وكان موافقا الموافقة كلها على قتله, لكن هذا الأمر لم يتم بسبب عدم وجود من يقودهم إلى مثل هذه الحركة , ويقول عبده: ((ولو أننا عرفنا عرابي في ذلك الوقت , فربما كان في إمكاننا أن ننظم الحركة , لأن قتل إسماعيل في ذلك الوقت كان يعتبر من أحسن ما يمكننا عمله)).(124:9)
إنّ السبب الذي أدى بالأفغاني وتلميذه إلى التفكير باغتيال الخديوي إسماعيل, هو منع أوروبا من التدخل في الشؤون السياسية لمصر, ثم إن توفيق بن الخديوي إسماعيل كان مقتنعا بأفكار الأفغاني وآرائه في إصلاح مصر , وكان عازما على السعي في سبيل تحقيقها. لكن حينما تسلم مقاليد الحكم في مصر, لم تمضِ فترة زمنية قصيرة حتى ساءت العلاقة بينه وبين الأفغاني, وكان جوهر الخلاف بينهما هو تراجع الخديوي توفيق عن الأفكار الديمقراطية التي وعد بها الأفغاني من قبل , بحجة جهل الشعب المصري الذي لا يقدر على اختيار مجلس نواب يعمل لصالحهم, عندئذ, رد عليه الأفغاني قائلا: ((إن الشعب المصري , كسائر الشعوب , لا يخلو من وجود الخامل والجاهل بين أفراده , ولكنه غير محروم من وجود العاقل والعالم, فبالنظر الذي تنظرون به إلى الشعب المصري وأفراده ينظرون به لسموكم)).(124:9)
أما القسم الآخر الذي يتعلق بإنشاء الأفغاني للصحف والأحزاب والجمعيات المختلفة أو مشاركته بها ,فلقد شجع مفكرنا تلاميذه على إنشاء الصحف التي تخدم أغراضه الإصلاحية, وتنشر آرائه المستنيرة في البلاد الشرقية, ومن الأمثلة على ذلك أنه شجع أديب إسحق على أن ينشئ جريدة مصر بعد أن وضع له خطة يسير عليها, وكان يكتب بنفسه بعض مقالاتها, ولكنه لم يكن يظهر اسمه عليها, بل كان يوقع باسم مستعار هو (مظهر بن وضاح), ثم أوعز إليه بالانتقال إلى الإسكندرية, لينشئ صحيفة التجارة, ولكن, لأن الصحيفتين كانتا تتناولان بعض الموضوعات السياسية, لفتتا إليهما الأنظار, فأغلقهما رياض باشا.(4)