إن الدافع الرئيس من البحث في فكر جمال الدين الأفغاني يكمن في طرح مفكرنا إلى قضايا وحدوية ودينية وسياسية لها واقع في الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ،ولذا ارتأيت طرح هذه القضايا وتفسيرها معتمداً على المنهج العلمي في التحليل من خلال مؤلفات المفكر ،وأراء الباحثي
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
إن مسألة انضمامه إلى الماسونية واقعة لا شك فيها, ولكن السؤال المهم هو ما السبب الذي جعله يميل إلى المحافل الماسونية؟
في حقيقة الأمر, انقسم الدارسون لسيرة الأفغاني وفكريْه الديني والسياسي إلى فريقين , للإجابة عن هذا السؤال:
يرى الفريق الأول, وهو الفريق المستنير, أن السبب في التحاق الأفغاني بالمحافل الماسونية سياسي؛ أي توصيل آرائه السياسية التي تقوم على تحرير الشعوب من ظلم المستبدين في الشرق والغرب إلى نخبة المجتمع التي تضمهم هذه المحافل. ومن هؤلاء د. محمد عمارة , و د.محمد أمين. وقد فصّلا لنا العلاقة التي اتسمت بها شخصية الأفغاني بالماسونية على النحو التالي :
يسوّغ د.محمد عمارة موقف الأفغاني إزاء الماسونية, بـأن هذه الحركة كانت ذات سمعة حسنة في ذلك الوقت, وترفع شعارات الثورة الفرنسية (الحرية, الإخاء, المساواة), وتناضل ضد السلطة الدينية الرجعية, كما أنها تضم صفوة المجتمع بغض النظر عن الجنس أو الدين,كذلك , فإن مخاطر الحركة الصهيونية ضد العرب والمسلمين في العقد الثامن من القرن الماضي لم تكن قد ظهرت, وكان لدخول الأفغاني في الماسونية فائدة , وهي انه قد اكتشف الخيوط التي تربط قيادة المحفل الماسوني بالاستعمار , ومهادنتها للسلطة المستبدة, ثم يعزو د.عمارة سبب ترك الأفغاني للمحفل الماسوني البريطاني إلى أنه وجد الماسونيين لا يتدخلون في السياسة, ويستدل على ذلك بقول الأفغاني: ((كنت أنتظر أن أسمع وأرى في مصر كل غريبة وعجيبة, ولكن, ما كنت لأتخيل أن الجبن يمكنه أن يدخل بين اسطوانتي المحافل الماسونية)).(34:9)
ونظرا لأن الماسونيين في المحفل البريطاني لا يتدخلون في السياسة, عمل الأفغاني على إحداث انشقاق في الحركة الماسونية في مصر, وأسس محفلاً جديداً يكون تابعاً للمحفل الماسوني الفرنسي يضم خيرة الناس الذين كانوا أعضاءً في المحفل البريطاني. (9)
ويعلل د.أحمد أمين سبب دخول الأفغاني في المحفل البريطاني بقوله: ((ومن تمام برنامجه في هذا الباب أن انضم للمحفل الماسوني الاسكتلندي, لأنه يضم كثيرا من علية القوم, لعله بذلك يتمكن من إيصال أفكاره إليهم)). (73:4)
ويؤيد الشيخ عبد القادر العماري كلام د. محمد عمارة و د.أحمد أمين بنقتطين, هما:
1-عمل الأفغاني على الإفادة من المحافل الماسونية بقوله: ((والأفغاني حاول استغلال المحافل الماسونية للخدمة العامة)) , لكنه يخطئ عندما يدّعي أن حضور الأفغاني للمحافل الماسونية, وإلقاءه الخطب فيها لا يدل على أن الرجل كان ماسونياً.
2-ان الافغاني خدع بالماسونية, فانضم إليها, ولكن, عندما تبين له عدم اتفاقها مع مبادئها انسحب منها. (25.24:17)
إن كلامه هذا صحيح , ولكن, على أساس الفصل بين الحفل الماسوني التابع للمحفل الاسكتلندي الذي انشق عنه الأفغاني, والمحفل الماسوني الفرنسي الذي أسسه الأفغاني , والذي ضم نخبة المفكرين.
أما الفريق الثاني الذي يتصف بالجمود, فقد علل انضمام الأفغاني إلى الماسونية, بالرغبة في تحقيق غاية في نفسه هي القضاء على الدين أو الإسلام؛ لأنه يعتقد ان الماسونية تعمل على هدم الدين, أما آراؤه التي بنيت على تصورات دينية تقليدية نتيجة الفهم الخاطئ لحقيقة مذهب الأفغاني الديني , فإنني أجملها بما يأتي:
-يعتقد د. محمد حسين أنه كان من وراء الأفغاني قوة كبيرة هي الماسونية التي عملت على ترويج آرائه المنافية للأديان السماوية والإعتقادات الإسلامية الصحيحة.(14)
-يرى د. علي الوردي أن الأفغاني حاول تجنيد طلاب من الأزهر للدخول في الماسونية لنشر أفكاره, وقد يكون ذلك سبباً مباشراً في عداء الأزهر له, وحصول صدام شديد بينه وبين مشايخه, ومما يدل على ذلك قول مصطفى صبري عن محمد عبده: إن النهضة الإصلاحية المنسوبة لعبده, جوهرها أنه زعزع الأزهر عن جموده في الدين, وقد عمل على جذب بعض الأزهريين إلى اللادينيين عدة خطوات, ثم هو الذي أدخل الماسونية إلى الأزهر بوساطة شيخه جمال الدين الأفغاني.(13)