إن الدافع الرئيس من البحث في فكر جمال الدين الأفغاني يكمن في طرح مفكرنا إلى قضايا وحدوية ودينية وسياسية لها واقع في الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ،ولذا ارتأيت طرح هذه القضايا وتفسيرها معتمداً على المنهج العلمي في التحليل من خلال مؤلفات المفكر ،وأراء الباحثي
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فعند النظر في هذه الأدلة, أرى أن النقطة الحاسمة والرئيسية التي اتفق بشأنها مع د.عمارة هي أن الأفغاني عندما دعا إلى جامعة إسلامية,كان ذلك من أجل وقوف الشعوب المسلمة ضد الاستعمار الانجليزي, ولكنّ استناد د.عمارة إلى نصوص الأفغاني التي أوردها, والتي يجمع فيها بين دعوته إلى وحدة العقيدة الدينية, ودعوته إلى القومية في المرحلة الأولى من فكره, وإزالة التناقض القائم بين الدعوتين على أساس عدم الحسم والوضوح في فكر الأفغاني في هذه المرحلة, فإنني أقول : إن الجمع بين الرابطة الملية والإطار القومي في دعوة الأفغاني حاسمة وواضحة منذ بداية فكره, سواء أكانت في هذه المرحلة التي يتكلم عنها د.عمارة , أم في المرحلة الثانية التي سيتم معالجتها بعد أسطر, لذلك , لا يحتاج الأمر إلى إزالة التناقض القائم بين الدعوتين على أساس عدم الحسم والوضوح من قبل د.عمارة, لأنه, في الحقيقة, لا يوجد تناقض بينهما.
وأما قول د.عمارة الذي مفاده أن الأفغاني أعاد النظر في موقفه تجاه الجامعة الإسلامية خلف الدولة العثمانية؛ لأنه تبدى له أنها ضعيفة , فإن إعادة النظر والعدول لا يدلان على أن الأفغاني اتجه نحو وحدة تقوم على أساس قومي عربي, وإنما يدل على أن الأفغاني عدل عن الدولة العثمانية لأنه علم أن السلطان عبد الحميد غير جدير بأن يكون حاكماً على بلاد المسلمين, فقد أراد السلطان من الوحدة أن يضم الدول الإسلامية كلها تحت لوائه .
أما الأدلة الأخرى التي فسرها د.عمارة على أساس التسلسل الزمني لنصوص الأفغاني من العروة الوثقى إلى الخاطرات, فلا تدل على ان مفكرنا أراد أن يغير موقفه من الوحدة التي دعا إليها (الجامعة الإسلامية) إلى وحدة تقوم على أساس قومي عربي, وإنما تدل على بصيرته النافذة بالتحام رابطة الاعتقاد بالعلائق القومية.
والآن أعالج المرحلة الثانية التي يتكلم عليها د.عمارة, وهي نضوج الفكر القومي لدى الأفغاني, ويستدل على ذلك بالأمور التالية:
1-في الرد على آرنست رينان , يدافع الأفغاني عن الاتهام الذي وجهه الأول إلى العقلية العربية, بوصف العنصر العربي أبعد العقول عن الفلسفة, قائلاً: ((الكل يعلم أن الشعب العربي خرج من حال الهمجية التي كان عليها وأخذ يسير في مجال التقدم الذهني والعلمي, ويغذّ السير بسرعة لا تعادلها إلا سرعة فتوحاته السياسية, وقد تمكن في خلال قرون, من التكيف بالعلوم اليونانية والفارسية.(76:9)
2-التجربة التي صنعها الأفغاني في مصر في تسع سنوات (1871-1879) وتعلقه بأهلها ونضال شعبها وتكوينه الحزب الوطني الحر, كل هذه الظروف أدت إلى نضوج الفكر القومي لدى الأفغاني, ورفعه شعار (مصر للمصريين) , واعتبار مصر الدولة النموذج التي اهتم بها الأفغاني .(77:9)
3-تمييز الأفغاني بين الأصول القومية والأسس الروحية للإسلام, فالأصول القومية هي الأصول الجوهرية, وهي شيء آخر غير العقيدة والمذهب, ويستند بذلك د.عمارة إلى حديث الأفغاني عن وحدة الألمان عندما كانوا يختلفون في الدين المسيحي على نحو مشابه لاختلاف الإيرانيين مع الأفغانيين في مذاهب الديانة الإسلامية, فعندما رأوا أن هذا الاختلاف له أثر سلبي يتمثل في تمزيق الوحدة السياسية بينهم, أعادوا تفكيرهم , وراعوا الأصول الجوهرية بينهم المتمثلة في الوحدة الوطنية, وبذلك, قضوا على مواطن الضعف, وأصبحوا حكام أوروبا.(87:9)
4-بحث الأفغاني في المؤثرات التي عدّ القومية ثمرة لها , وهي: (اللسان والأخلاق والعوائد والإقليم), وهذه المؤثرات تنبع من الطبيعة والواقع والظروف المادية, وأما المؤثر الخامس, فهو (الدين) الذي يعده طارئاً,. يقول الأفغاني: ((أنه خليق بالإنسان , كما أنه نوع واحد, ألا يكون له غير هذه الكرة الأرضية وطناً, بمعنى أن وحدة النوع تقتضي وحدة المكان. فالإنسان طالما لا يمكنه أن يعيش في الماء فموطنه إذاً اليابسة, ونتيجة هذه المقدمة ألا يختص ببقعة دون الأخرى)). ثم يمضي الأفغاني ليقول: ((تحت هذه المؤثرات تحصل للأقوام ميزة, وتتأصل فيهم محبة البقاء على مألوفهم, والذود عنه, واعتبار من خالفه أنه ليس منهم, بل هو غيرهم بمعنى الغيرية المطلقة)) فالأفغاني ينتقل من النص الأول الذي يعود إلى دائرة النوع الإنساني إلى النص الثاني المحدود بدائرة الأمة التي ينتسب إليها (القومية).(88:9)
5-الملائمة بين فكرة الإسلام وفكرة العروبة, على أساس أن الأفغاني رأى الإسلام طريقاً للتعرب, واكتساب الهوية العربية, وخصائص الأمة العربية, وكذلك, دفع الجزية من جانب أهل الذمة الذين منحوا ولاءهم للإسلام دون الاعتقاد به, فكان ذلك طريقاً للتعرب, يقول الأفغاني: ((إن كل من دان بالإسلام, أو رضي بدفع الجزية,قد سارع عن طيب خاطر, وارتياح عظيم إلى التعرب..... فمصر, بينما هي هرقلية رومانية, ومقوقسها عامل لها فيها, أصبحت في قليل من الزمن إسلامية في الأغلبية, عربية بالصورة المطلقة في كافة مميزات العرب, وهكذا القول في سوريا والعراق))(90:9)
6-يلحظ د.عمارة أن الأفغاني قد دعا إلى إطار قومي, عند النظر في نصوصه التالية:
((كان اللسان العربي لغير المسلمين, ولم يزل, من أعز الجامعات وأكبر المفاخر))
((فهم أحكامه, والعمل بآدابه (أي الدين) , وذلك ما تم ولا يتم إلا باللسان, وهو أهم الأركان )).
((الأمة العربية هي (عرب) قبل كل دين ومذهب, وهذا الأمر من الوضوح والظهور للعيان ما لا تحتاج معه إلى دليل أو برهان )).(94:9)
7-الحادثة التي وقعت في متنزه الكاغدخانة بالآستانة بين الأفغاني والخديوي عباس حلمي الثاني, حيث اتفقا على إنشاء دولة عربية عباسية , مما يدل على أن الأفغاني كان يسعى إلى الدولة العربية القومية .(95:9)
8-كان اعتزاز الأفغاني بالعرب وحضارتهم أسبق من ظهور الإسلام , واعتناق العرب له.(99:9)