إن الدافع الرئيس من البحث في فكر جمال الدين الأفغاني يكمن في طرح مفكرنا إلى قضايا وحدوية ودينية وسياسية لها واقع في الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ،ولذا ارتأيت طرح هذه القضايا وتفسيرها معتمداً على المنهج العلمي في التحليل من خلال مؤلفات المفكر ،وأراء الباحثي
أنت هنا
قراءة كتاب قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ويعدّ الأفغاني أول من أدخل نظام الجمعيات السرية في العصر الحديث في مصر, فأسس الحزب الوطني الحر, الذي كان حزباً سرياً. ((لقد كانت في ذهن الأفغاني وهو يمارس في مصر نشاطه السياسي, ويقود تنظيم الحزب الوطني الحر السري ما صنعته كثير من الحركات السرية والفكرية الإسلامية, عندما جذبت إلى صفوفها بعض أمراء الأسر التي كانت تتولى الخلافة أو الإمارة)).(124.123:9)
إنني أرى سوء فهم في اعتقاد مصطفى فوزي أن أهداف جمعية العروة الوثقى السرية لم تكن لنشر الإسلام ومبادئه,ويظهر ذلك في عدم إدراكه لوظيفة رجل عالم الدين, هو أن وظيفته مقتصرة على تبليغ الدعوة الدينية إلى الناس, وهو بذلك يتناسى أن الأفغاني كان فكره منصبا نحو الظروف السياسية التي حلت بالعالمينْ العربي والإسلامي, الأمر الذي دعاه إلى إنشاء جمعيات منظمة هدفها الأول يتمثل في تحرير البلاد الشرقية من قبضة الإستعمار.
يقول د.محمد عمارة: ((أما ذلك التنظيم الذي تكوَّن, بقيادة الأفغاني, ليتصاعد بحركة المسلمين الوطنية من التنفس.... إلى الزفير.... إلى الصرخة التي تمزق مسامع من أصمه الطمع.... فهو تنظيم (جمعية العروة الوثقى), وهو تنظيم سري ثوري, قام ليواصل النظام ضد الاستعمار,والاستعمار الانجليزي بالذات, وخاصة في البلاد التي كان قد احتلها في الشرق يومئذ)).(129:9)
ويلاحظ أن د. محمد عمارة يقر بالعلاقة بين نشاط الأفغاني السري , والنشاط السري للفرق الإسلامية والباطنية, قائلاً: ((وهي خبرات نعتقد أن لها صلات وثيقة بتراث العرب والمسلمين في التنظيم السري منذ جمعيات : المعتزلة, وإخوان الصفا وخلان الوفاء, والقرامطة, والحشاشين, وحركات الشيعة المختلفة, والباطنية)).(129:9)
إنّ الخبرات التي شهدتها جمعية العروة الوثقى السرية كثيرة ومتنوعة, فمنها الخبرة في التنظيم, وقد عد التنظيم أن كل نشاط أو قول يصدر عن الأعضاء يجب ان يكون الهدف من ورائه كسب الأنصار الجدد للتنظيم, فتقول إحدى الرسائل التي أرسلتها قيادة التنظيم إلى العضو (س.س): ((..... فاستكثر من الإخوان ونقّهم من الخوّان ... وليكن القول تأسيسا لا تدريساً, ولا تكوّنَنّ كلمة إلا وغايتها عقد يبرم ورباط يحكم)).(130:9)
وعندما يدعو أي عضو من الأعضاء شخصاً جديداً إلى عضوية التنظيم, يجب عليه أن يعمل لذلك بطرق غير مباشرة, وهذا يعتمد على استعدادات الشخص الجديد وآرائه التي يحاول العضو الكشف عنها. وعندما يقترح العضو ترشيح اسم جديد, فان مبدأ القبول والرفض يكون من حق القيادة العليا التي تقود العمل, فتقول إحدى الرسائل الموجهة إلى العضو (س.س): ((فإن تيسر لك السبيل فتقدم لدعوته, وادْخُل عليه ابتداء من طريق لا يعرفه, وتلطف له في القول, وإن شئت أطلعه على شيء من مقالات العروة الوثقى, فان انتهيت إلى ما يعرف, وآنست منه الميل والرضا, فإما أن يكتب إليّ وإما أن يستعد إلى تلقي كتاب مني)).(131.130:9)
أما الأعضاء المطلوب ضمهم إلى التنظيم, فيجب أن يكونوا من ذوي المكانة العالية في طبقاتهم الاجتماعية؛ أي العناصر القيادية في مختلف المجالات, ((.... يكون معظم الاهتمام بضم الصالحين للأمر من ذوي المكانة, على اختلاف طبقاتهم)).(131:9)
إن النقطة الأخيرة التي أريد أن أبينها فيما يتصل بالنشاط الفكري السري للأفغاني هي النقطة التي تتعلق بدخوله في الماسونية, ثم بيان سبب هذا الدخول بالاعتماد على تناول الآراء التالية:
يرى د. علي شلش أن ما يؤكد انضمام الأفغاني الى الماسونية هو وجود صورة له يطلب فيها الالتحاق بأحد المحافل الماسونية في مصر, وتحت هذه الصورة, يوجد توقيع باسم جمال الدين الكابلي, وهذا نصه, ((يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة جمال الدين الكابلي الذي مضى من عمره سبعٌ وثلاثون سنة, بأني أرجو من إخوان الصفاء, وأستدعي من خلان الوفاء,أعني أرباب المجمع المقدس الماسوني الذي هو عن الخلل والزلل مصون, أن يمنوا علي, ويتفضلوا إلي, بقبولي في ذلك المنتدى المفتخر)).(246:8)
ويؤكد د. محمود قاسم التحاق الأفغاني بالماسونية, وتقدمه فيها إلى أعلى الدرجات, إذ يقول: ((وقد انضم إلى الماسونية سنة 1878 م , وتقدم في مراتبها المختلفة تقدماً سريعاً, وجعل يقفز هذه المراتب قفزاً, نظراً لجودة استعداده, حتى أصبح من الرؤساء بعد وقت قصير)).(40:6)