أنت هنا

قراءة كتاب الخارطة الشعرية في الأغنية الرحبانية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخارطة الشعرية في الأغنية الرحبانية

الخارطة الشعرية في الأغنية الرحبانية

يقدم هذا الكتاب، الخارطة الشعرية الكاملة للأغنية الرحبانية، متتبعاً مصادرها، وبداية تشكلها، ومصححاً الكثير من الأخطاء الشائعة حول نسبة بعض القصائد لغير أصحابها أو إغفال أسماء شعرائها، ومقارناً بين الصياغات الأصلية وبين التعديلات التي أدخلها الأخوين رحباني ع

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

مدخل

يا ليلُ الصب متى غَدُه؟!..
كان الغناء وما يزال، بوابة عبور وانتشار للشعر والشعراء كي يدخلوا في نسيج الوجدان الشعبي... وقد تأكدت قيمة هذه (البوابة) في العصر الحديث، مع ازدياد قوة تأثير الفن، وتراجع دور الأدب والكتاب. ولو سألت الكثير من الشبان اليوم ـ من غير دارسي الأدب ـ أن يستعيدوا ما في ذاكرتهم من قصائد وأشعار، سواء لشعراء قدامى أو معاصرين، لاقتصر الأمر لدى معظمهم، إما على ما حفظوه على مقاعد الدراسة في مراحل مختلفة، أو ما سمعوه في بعض الأغنيات الذائعة الصيت، التي استلهمت قصائد الشعراء، وقدمتها ملحنة ومغناة، فتناقلتها الألسن وحفظتها ذاكرة الناس.
وربما كانت الأغنية الرحبانية، التي قدمها الأخوين عاصي ومنصور رحباني وغنتها السيدة فيروز، وبعض الأصوات الأخرى التي تعاونت المؤسسة الرحبانية معها في فترة ازدهار نشاطها الكبير قبل انفصال فيروز عن عاصي، خير مثال على قدرة الغناء على حمل الشعر إلى وجدان عامة الناس، فقد قدمت الأغنية الرحبانية أوسع بانوراما للشعر العربي منذ العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث... كما أحيت هذه المدرسة في ستينيات القرن العشرين وما تلاه، فن الموشحات الأندلسية الذي يكاد يكون قد اندثر في تاريخ الغناء العربي المعاصر في تلك الفترة، وقدمته بثوب فني جديد، فيه كثير من التطور والفرجة المسرحية الراقية.
ولقد كان الباعث الحقيقي لتأليف هذا الكتاب بالنسبة لي، هي تلك النشوة الغريبة، التي كان يبعثها في نفسي تذوق ما أحفظه من شعر حين أسمعه مُغنّى بصوت السيدة فيروز وبرفقة اللحن الرحباني العذب، فقد كان هذا الغناء الراقي، المتفرد في عناصره اللحنية وهويته الأدائية، ينبش أسرار القصيدة، ويجلو معانيها وصورها، ويشرح من دون أي تفسير لفظي، مكامن القوة والجمال والإبداع فيها.
ومما لاشك فيه، أن ما قدمه الأخوين رحباني من اختيارات صعبة وشبه مجهولة لكثير من الشعراء والقصائد في تاريخ الشعر العربي في عصوره المختلفة، يكشف عن ذائقتهما الشعرية التي كانت تلتقط بحساسية بالغة، كل متميز في موضوعه، وفي صياغته الفنية، وفي جدة وابتكار صوره وأساليبه.. فتذّوقُ نتاجَ قرونٍ طويلة من الإبداع الشعري الذي اعتبر (ديوان العرب)، ليس بالأمر السهل أو اليسير، بل هو في النهاية نتاج خبرة تراكمية في القراءة، وسعة البحث والاطلاع، ميزت عمل الأخوين رحباني، وطبعت سعيهما لإغناء فنهما الغنائي.
ومن هنا يقدم هذا الكتاب، الخارطة الشعرية الكاملة للأغنية الرحبانية، متتبعاً مصادرها، وبداية تشكلها، ومصححاً الكثير من الأخطاء الشائعة حول نسبة بعض القصائد لغير أصحابها أو إغفال أسماء شعرائها، ومقارناً بين الصياغات الأصلية وبين التعديلات التي أدخلها الأخوين رحباني على كثير من القصائد لضرورات فنية، ورابطاً كل هذا بالتوجه العام الذي طبع المدرسة الرحبانية، والذي شكل محور اختياراتها في كثير من الأحيان.
وينبش هذا الكتاب، نصوصاً مجهولة للأخوين رحباني، لم تنتشر على نطاق واسع، ولم تظهر إلى النور، رغم أنها صدرت منشورة في كتيبات مطبوعة، قدم فيها الأخوين رحباني رؤية درامية لسير بعض أعلام الشعر العربي من فحول شعراء العصر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي... فيقدم قراءة نقدية تعرّف بمضامينها، وتروي باختزال وتكثيف كيف رأى وعالج الرحابنة سير هؤلاء الشعراء، وكيف صاغوا العقدة الدرامية والشرط التراجيدي في مسيرة كل شاعر على حدة.
إنها محاولة نقدية ليس لتأمل الزمن الرحباني الجميل في وقفات تذكارية مستعادة وحسب؛ بل ولإظهار وشائج الصلة الحية بين الأدب والفن التي صاغت ركائز المدرسة الرحبانية وصنعت مجدها وتألقها، فضلاً عن تقديم مثال نموذجي على ما يمكن أن تنتجها تلك الصلات فيما لو أعيد الاعتبار لقيمة الأدب الأصيل في حركة الغناء المعاصر... وهي إلى جانب ذلك كله، محاولة لتطبيق معايير النقد الأدبي على النص الفني... بما يظهر غنى ورقي وخلود هذا النص، حين يمتلك من أبدعه تلك الثقافة الشعرية والأدبية العميقة، فلا يرتهن لأجواء الاستسهال والابتذال التي يمكن أن تحكم الأوساط الفنية صعوداً وهبوطاً!
لقد أثرى الأخوين رحباني والسيدة فيروز ليل الغناء بالصبابة والوجد... ونثروا أقمار الأدب ونجوم القصائد في سمائه فبدا أكثر إشراقاً وسطوعاً وغنى، وقدرة على البقاء في الوجدان... كما أبدع الأخوين رحباني إلى جانب هذا كله ديوانهما الخاص، وكتبا عشرات القصائد الخالدة التي لم تكن بأقل سوية من القصائد التي اختاراها لشعراء آخرين... ومن هنا يحتفي هذا الكتاب بقصائد الأخوين رحباني، وبأجمل ما كتباه من الشعر الفصيح، مثلما يحتفي بنشر قصائد الشعراء الآخرين التي شدا بها صوت فيروز فحملها إلى ذرى وآفاق جديدة، ليقدم في المحصلة ألبوماً تذكارياً لتلك القصائد وزمنها الجميل، نستعيد معه ليل الغناء الرحباني الصادح بالحب والفرح والحياة، مثلما نتأمل في معطياته النقدية وأسراره الفنية الخالدة.
دمشق 20/2/2009

الصفحات