أنت هنا

قراءة كتاب الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل

الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل

كتاب "الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل"، للكاتب الدكتور غينثر داشنر، الصادر حديثًا عن دار الفارابي 2014، والذي ترجمه للعربية د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

ثمة تقسيمات أكثر إيلاماً تتابعت لاحقاً في القرن العشرين، وللمفارقة، فإن ذلك قد حدث في زمن حق الشعوب بتقرير مصيرها. فبعد الحرب العالمية الأولى، أي بعد العام 1918 قررت الديموقراطيات المنتصرة في فرنسا وإنكلترا إضعاف القوى المتوسطة مع الوقت أو كسرها كلياً. وبكثير من الكيدية، لكن وللأسف بدون أي حكمة سياسية، أخضع الخاسرون للنظام الذي أملي عليهم في فرساي وفي سان جرمان وسيفر، أو لما يعرف بمعاهدات باريس التي تمت بين 1919 و1920 – وقد استتبع ذلك إجراءات عسكرية جزئية.
في ڤرساي تم إذلال الأمبراطورية الألمانية واقتطاع أجزاء كبيرة منها الأمر الذي كان ـ كما يعلم الجميع ـ اليوم سبباً لحرب عالمية ثانية. وفي معاهدة سان جرمان تم تقسيم الأمبراطورية النمساوية الهنغارية وجعلت القوميات غير الألمانية تابعة لعقد دولي جديد. لم تحمل إملاءات القوى الغربية السلم البتة. فمع قيام الدول الشاطئية الجديدة مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا برزت مشكلات جديدة، إذ قامت توترات كانت أقسى وأكثر بعثاً للقلاقل مما كان قائماً في إمبراطورية آل هابسبورغ.
وبالطريقة نفسها تم التعامل مع الامبراطورية العثمانية في اتفاقية سيفر. فبدل رسم الخريطة السياسية للبلاد بموجب خطوط اتنية ودينية وبموجب روابط تاريخية، قسمت القوى العظمى الغربية أرض الامبراطورية التركية تبعاً لمزاجها وأهوائها. وانطلاقاً من مصالح سياسية خاصة رسمت كل من إنكلترا وفرنسا على لوحة رسم الخرائط من الدول الجديدة التالية: الأردن وسوريا ولبنان والعراق. (فمن الناحية البريطانية كان ونستون تشرشل، وقد كان شاباً آنذاك، وسكرتير دولة في وزارة المستعمرات البريطانية مسؤولاً عما عرف لاحقاً تحت اسم «التشكيل» الجديد للشرق الأوسط). والأهم من رفاهية الشعوب كان هم الإنكليز منصباً على تحقيق الوعود التي أطلقوها للمشايخ الذين تعاملوا معهم أثناء الحرب بمكافأتهم بإقامة ممالك لهم. وهكذا قامت مملكتا الأردن والعراق. إذ أعطيت العروش لأسر حاكمة غريبة عن المكان وعن الشعوب التي لا جامع لها معها. ومن الامبراطورية العثمانية لم يتبق إلا تركيا الحالية، تعصف فيها الأزمات من الداخل والخارج، ومجروحة لما نزع عنها من مناطق واسعة، وواقعة في البلبلة التي أحدثها آنذاك انهيار النظام الإسلامي – العثماني القديم.
وكما تم بشكل عشوائي انطلاقاً من تركة الامبراطورية النمساوية الهنغارية خلق بعض الدول، تم انتزاع سلوفاكيا التي رغم إرادتها ألحقت بالدولة التشيكية وألحق الألمان ببولندا وسلوفاكيا كما لو كانوا في وسط سجن شعبي، كذلك اضطر 30 مليون من الشعب الكردي للانطواء (حالياً) وسط سجن من شعوب الدول الجديدة، في العراق البريطاني، وفي سوريا الواقعة آنذاك تحت الاحتلال الفرنسي أو في تركيا الجديدة تحت حكم كمال أتاتورك.
أما فيما يخص الكرد فهم لم يكونوا على الأرجح حمقى أو أصحاب نية سيئة. إذ إن المسألة الكردية كانت قبل معاهدات باريس وحتى إبان الحرب العالمية الأولى وإن للحظات تاريخية قصيرة قد طرحت على مسرح الحياة السياسية. ثمة حدثان سياسيان مهمان قد حددا أثناء سنوات الحرب ما ظهر من آمال الكرد من مراحل صعود وهبوط: ففي عام 1916 وإبان ما يعرف باتفاقية سايكس – بيكو، التي حددت فيها كل من فرنسا وإنكلترا مصالحهما في الشرق الأوسط بعد النصر المنتظر للحلفاء في الحرب تمت الإشارة إلى تقسيم لاحق يشمل كردستان. وخلاف ذلك ففي العام 1918 أشار الرئيس الأميركي ويلسون في برنامجه المكون من 14 نقطة لأول مرة إلى الحقوق القومية للكرد.
وانطلاقاً من هذه النقاط الأربع عشرة شاركت في سيفر بعثة كردية كانت بإشراف شريف باشا، وهو جنرال كردي في الجيش العثماني، بوصفه مراقباً. وقد طالبت البعثة الكردية أثناء البحث في نظام الشرق الجديد تجاوز «الخطأ الدائم»، وطالبت لأول مرة بأرضية وطنية وبحق تقرير المصير للشعب الكردي، إذ كان البحث يشمل، إبان إنشاء دول جديدة، البحث في «دولة كردستان» ولم تكن كل من بريطانيا وفرنسا معارضتين من حيث المبدأ لهذا الطرح. فمن المفيد لسياستيهما أن يزداد عدد الوجوه التي يمكن أن تلعب دوراً في سياسة التوازن الامبريالي التي تقيمانها فوق لائحة الشطرنج، والتي تمكنهما من شد هذه الكيانات بهذا الاتجاه أو ذلك والتلاعب بها. وقد تم التوافق على جعل المناطق الكردية في شمال غرب العراق الواقع تحت السيطرة البريطانية وفي جنوب شرق ما تبقى من تركيا – وإذا أراد الكرد ذلك – دولة مستقلة بموافقة عصبة الأمم.
لذلك فإن توحد الكرد في تركيا الحالية مع الكرد في العراق الحالي في دولة «كردستان مستقلة» كان ممكناً إذاً في إطار الاتفاقية. وعلى ضوء التطور اللاحق لايزال الكرد يطرحون باستمرار السؤال، ما إذا كان البريطانيون والفرنسيون جديين في تحقيق هذا المخطط. أو أن الأمر لم يكن بالنسبة إليهم أكثر من مجرد تهديد بنزع أقاليم أخرى من الامبراطورية العثمانية التي انهزمت في الحرب؟ وفي الوقت نفسه ظهرت معالم أخرى منها سقوط السلطان وظهور الجنرال مصطفى كمال باشا، أتاتورك لاحقاً، بوصفه بطل حرب شعبياً وقومياً بارزاً، صار لاحقاً الرجل الأقوى في ما تبقى من تركيا، وكان رجلاً غير مستعد للتخلي عن أي شبر من الأرض التركية. وفي نهاية الأمر كان على الشعب الكردي أن يقبل ما جرى وأن لا يستقر في دولة خاصة به، بل على أرض «الدول الجديدة». ولايزال مقسماً ومتقطعاً حتى اليوم.
إن الحدود التي تتقاسمها كردستان، ليست حدوداً طبيعية ولا اقتصادية ولا ثقافية أيضاً. بل هي حدود مصطنعة، حددت رغماً عن إرادة الشعب الكردي، وتبعاً لمصالح قوى التقسيم وللقوى الغربية تحديداً التي وجدت في ذلك «حفظاً للتوازن». لم تفصل هذه الحدود المناطق بعضها عن بعض فحسب، وإنما فصلت مدناً وقرى وقبائل بل عشائر وعائلات بعضها عن بعض. فعدد العشائر الكردية التي حددت الحدود مكان إقامتها كبير جداً. بعض العشائر، بل العائلات الكبرى تعيش موزعة في دولتين وأحياناً في ثلاث دول. وقد يحدث أن يقضي بعضها صيفه في مراعي دولة معينة لينتقل شتاء الى المراعي في دولة أخرى.
كان للفصل المستمر آثاره التي انعكست شللاً على الحياة الاقتصادية والثقافية، وآثاره المدمرة لتطور المجتمع الكردي الحديث. و«الحدود الحالية، أو ما يسمى بالحدود الدولية التي تقسم كردستان» بحسب صياغة قال بها عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في مقابلة أجريتها معه عام 1998 في دمشق «هي حدود ننظر إليها نحن الكرد كما لو كانت حدوداً داخلية، إنها حدود في قلب البلد، إنها مثل الحدود التي تفصل الشعب الألماني حتى حصول توحده مجدداً. إن الحدود التي تقسم شعبنا هي حدود برائحة الدم، إنها خطوط الكراهية».

الصفحات