كتاب "الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل"، للكاتب الدكتور غينثر داشنر، الصادر حديثًا عن دار الفارابي 2014، والذي ترجمه للعربية د.
أنت هنا
قراءة كتاب الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بالطبع، إن الحلم الكردي يتجاوز بوضوح ما يتحدث عنه الساسة الكرد رسمياً أو ما يمكنهم التفكير فيه صراحة. فمعظم الكرد يفهمون حين يتعلق الأمر بالحرية وتقرير المصير أنه تحقيق إقامة دولة كردية خاصة بهم. وهم لا يرتضون أنه يجب عليهم، هم دون غيرهم، الاستغناء عن دولة خاصة بهم، في وقت أظهر فيه العقد الأخير من السنين – في أوروبا، أو في بلدان أخرى من الشرق الأدنى – قيام دول جديدة، حتى عند شعوب أصغر منهم وأقل عدداً.
يعتبر العراق بالنسبة إلى غالبية الكرد أفضل حلٍ ثانٍ، «يطالب أكثر من %80 من الناس هنا بالاستقلال»، هذا ما يؤكده فرهاد بيربال، أستاذ التاريخ الكردي والآداب الكردية في جامعة أربيل. و«السياسيون يقولون ما يريد الأميركيون سماعه. إنها لعبة مهذبة». أما بيتر غولبرايت، وهو من المراقبين الأميركيين، وأستاذ في الكلية الحربية في واشنطن فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. «إن الكرد ليسوا عديمي الصبر. إلا أنهم بمثابة الجوكر في اللعب. إذا ما ترك لهم الخيار فإنهم سيصوتون بصوت واحد ضد البقاء في العراق. إنها معضلة كبرى في المستقبل». وأنا أفهم جيداً أن العديد من الكرد في منطقة الحكم الذاتي يتعايشون مع صعوباتهم، ولا سيما الشعور بأنهم عراقيون. فبعد اثنتي عشرة سنة من الحرية الكردية، لم يعد لدى الشباب منهم أي هوية عراقية، والعديد منهم أيضاً لم يتعلم اللغة العربية. أما بالنسبة إلى المسنين منهم فإن كلمة «عراق» تعني الغاز السام، والإقصاء والإبعاد.
وبالنسبة إلى رجال السياسة الواقعيين في كردستان العراق فالأمور ليست بهذه السهولة. إذ عليهم الاكتفاء بما يرون أنه يمكن عمله، أو هم يريدون ذلك فعلاً. وفي الأشهر الأخيرة، وبعد أن اعتقدوا أن بإمكانهم أن يصبحوا شريكاً هاماً للولايات المتحدة، فإن هذا الهدف قد وضع قيد التداول والنقاش العلني وفق الصياغة التالية: الاستقلال عن بغداد، ولماذا لا يكون ذلك دولة خاصة؟ وبالتشارك اشتغل الحزبان الديموقراطي والاتحاد الوطني على مشروع دستور مشترك لما بعد صدام. وقد تم اختيار كركوك المدينة المقدر عمرها بثلاثة آلاف عام عاصمة للدولة. إنها أشبه ما تكون بقدس كردية، إنها مدينة كبيرة على الشاطىء الشمالي مما بين النهرين، وهي وسط المنطقة الغنية بالنفط في العراق. ومنذ عدة عقود عملت بغداد بحزم على تعريب هذه المدينة، حتى منذ فترة ما قبل صدام، ولكن منذ توليه السلطة عمل بإصرار وأبعد أكثر من 100.000 كردي من منطقة كركوك. ولا بد لهم من العودة إلى منطقة كردستان الجديدة. وهذا ما يريدونه أيضاً. يريدون الرجوع إلى بيوتهم وتجارتهم ومحترفاتهم، إلى بلدهم. ومن المفاجىء أن نجد أحداً يمنعهم من ذلك الآن بعد انتهاء مرحلة صدام.
بخبث يذكر البارزاني محدثيه الأميركيين: «بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حصل العديد من الشعوب الصغيرة على دول خاصة بهم، وهم الآن شركاء مع الولايات المتحدة. ولماذا نحن لا؟» مع ذلك: فإن الرئيس لم يكن يتسلى. مراعاة لتحفظات واشنطن وأنقرة تم الاكتفاء في أربيل بالاستقلال الذاتي الآمن، أي بحكومة ذاتية في إطار «عراق فدرالي جديد يعاد بناؤه». وهذا ما وعد به ساسة الولايات المتحدة في الفترة التي ستلي حكم صدام إذا...
أجل، إذا لم تعترض أنقرة على ذلك، إذ إن واشنطن قد أوضحت أن الأتراك هم مشاركون أيضاً في لعبة شطرنج الشرق الأوسط. عاصمة كردية في منطقة غنية بالنفط؟ كلا! إذ إن تدفق مزيد من الأموال على الخزانة الكردية قد يكون مناسباً جداً لأخوتهم من الشعب الكردي المستضعف في تركيا! شبه دولة مستقلة للفلاحين الكرد؟ أيضاً كلا! مع ذلك قد يكون الحكم الذاتي مرحلة أولى في تشكيل دولة خاصة! لقد سبق للأتراك أن هددوا بالقيام بما امتنع الأميركيون عن القيام به: اقتحام المنطقة الكردية في شمال العراق. في أربيل، وفي صلاح الدين (معقل البارزاني الرئيسي) وفي السليمانية (حيث يحكم الطالباني) ترن أجراس الإنذار. لقد أعطى البيشمركة ضوء الإنذار الأحمر. «لا نريد هنا أي تركي، ولا نحتمل وجود أي تركي هنا»، هذا ما قاله مسعود البارزاني الذي غالباً ما يكون حذراً. «إذا أرادوا اقتحام الإقليم دون موافقتنا، فإننا سنستقبلهم بموجب عاداتنا القديمة. وإذا لزم الأمر فإننا سنجعل من أرضنا مقبرة للمعتدين الأتراك».
بعد شهرين على ذلك، في أيار/ مايو 2003 بات الموقف أكثر وضوحاً. تم إبعاد صدام، وتم القضاء على نظامه القمعي. لم يستعمل أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل، ولم يتم اكتشافه أيضاً. حتى إن سكان السليمانية، والحمد لله، لم يستخدموا قط إجراءات الحماية ولم يكن عليهم أن يجربوا الأقنعة التي صنعوها بأنفسهم والتي تقيهم الغازات. بل حتى أنه لم تقع معركة حقيقية مع القوات العراقية. ولم تتدخل القوات التركية. والبيشمركة الكردية اندفعت إلى المناطق الكردية الأخرى التي أخلاها العراقيون. هذا وقد أصابت نيران الأميركيين الصديقة عدداً من الضحايا بين الكرد تفوق ما خسروه في مناوشاتهم مع فرق صدام العسكرية.
حتى أن الحدود التي تتجاوز خط العرض 36 والمحدد كمنطقة لحظر الطيران قد سقطت. فالكرد يندفعون الآن مجدداً إلى الأودية والمناطق التي تقع جنوب هذا الخط عائدين إلى قراهم، والتي أخرجوا منها منذ التسعينيات (من القرن الماضي) بموجب إجراءات العقاب التي قضت بتنظيفها وإبعادهم عنها. وهكذا أصبحت رقعة المنطقة التي تتمتع باستقلال ذاتي في شمال العراق أكبر بشكل واضح جداً. فإلى جنوب أربيل يدعي الكرد بوجود 400 قرية تعود إليهم أساساً. وبعد الإبعاد والقتل الجماعي في السنوات السابقة يشعر المبعدون الآن أنهم في أمان مجدداً إذا ما أتيحت لهم العودة إلى منازلهم. حتى إن الآلاف منهم قد عادوا إلى كركوك أيضاً. يعتقد الآن أنه بالرغم من وجود أقليات صغيرة من التركمان والعرب والمسيحيين الأشوريين في المدينة ممن كانوا وظلوا فيها أيضاً، فإن أغلبية كردية باتت الآن موجودة هناك. بكل الأحوال فمنذ أيار/ مايو بات رئيس البلدية كردياً فيها، وشرطة المدينة باتت بنسبة 80 % من الكرد أيضاً. وحتى لو كانت إعادة توطن الكرد في المنطقة لا تخلو من الاحتكاكات، فإن الأمر يبدو كما لو أن كركوك قد تكون مستقبلاً عاصمة كردستان.
يسود مناخ الانتصار عند العديد من الناس، علماً أن حرباً لم تقع ولم يكن ثمة انتصار. إنه تعبير عن التفاؤل. مع أنه قد تم التعبير عن الأسف لعدم التمكن من الاحتفال بعيد الميلاد المئوي للقائد الملا مصطفى البارزاني مؤسس الحركة الكردية الذي صادف وقوعه في شباط/فبراير من العام 2003 كان الإعداد جارياً لهذا الاحتفال الذي ألغي بسبب الحرب ضد صدام. وبغمزة من عينيه أخبرني أحد الساسة الكرد، الذي من الأفضل عدم ذكر اسمه قبل أسابيع من ذلك: «الأرجح أنه لا اتفاق على تاريخ مولده، إذ يتأرجح ذلك بين الأعوام 1899 و1904. لذا، فمن الأفضل أن نحتفل في العام 2004. إذ ستكون الحرب قد انتهت حينئذ. فصدام سيكون قد ذهب ولنا آنئذ سبب مزدوج للاحتفال».