كتاب "الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل"، للكاتب الدكتور غينثر داشنر، الصادر حديثًا عن دار الفارابي 2014، والذي ترجمه للعربية د.
أنت هنا
قراءة كتاب الكرد شعب بدون دولة تاريخ وأمل
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
2- «من يقول إذاً، إننا نثق ثقة عمياء بالولايات المتحدة»؟
التحالف الأميركي مع أميركا
تشكلت منطقة الاستقلال الذاتي في الأسبوعين الأولين من آذار عام 2003. والوصول إلى هناك ليس بالأمر السهل أبداً. فالكل يعلم في هذه الأيام أن حرب الولايات المتحدة وحلفائها ضد العراق قد باتت على الأبواب. ومن لا يدرك بقوة، فهو أقله يعرف الآن أن مفتشي الأمم المتحدة لا يلعبون سوى لعبة ميكي ماوس في العراق. وإنه لا فرق أبداً إن هم وجدوا «شيئاً» في العراق أم لم يجدوا. «فهو» والله وحده قد قرر منذ أمد طويل أن الشرق الأوسط سيجر مجبراً إلى مناورة على أسس جديدة. ومعظم الدول التي لها حدودها مع شمال العراق الكردي، ولأسباب تتعلق «بالأمن الوطني» قد صعبت من إجراءات عبور الحدود. فالصحافيون لن يسمح لهم بالعبور على الحدود. والدخول «ببساطة» أصبح في كل يوم يمر أشد صعوبة. والحدود السورية العراقية، أقله في الشمال أصبحت مغلقة كلياً أمام العابرين، وكل طلبات الانتقال يجب أن تحصل على تصريح استثنائي من قبل الأمن العام السوري في دمشق، حتى الإذن بالسماح لي بعبور الحدود قد انتظر مدة عشرة أسابيع. وحين حصلت على الإذن حفظت رقمه بحبور شديد غيباً. من يرد الانتقال إلى «هناك» – ولكي يستطيع الحصول على إذن لذلك – يستطع الانتقال إلى الجانب الأقصى من شمال شرق سوريا، حيث تشكل الحدود بين تركيا والعراق وسوريا على شاطىء دجلة مثلثاً أرضياً ذا زوايا ثلاث. هناك يمكن العبور بثلاثة أرباع الساعة بالتاكسي إلى الشرق من القامشلي، الواقعة على دجلة، باستخدام عبّارة ومعظم المنتظرين للعبور هم من الكرد الرجال الفارين من العراق. فهم يريدون العودة إلى موطنهم، للاهتمام بأسرهم بعد هذه الحرب المنتظرة وللاعتزاز بعودتهم إلى موطنهم.
المدينة السورية التي تلي الحدود مباشرة هي القامشلي. إنها المدينة الأكبر في منطقة وجود الكرد في سوريا. والكرد يطلقون على هذه المنطقة اسم «غرب كردستان». (فعلى الجانب الآخر من دجلة يبدأ «جنوب كردستان». وفي تركيا الحالية يقع «شمال كردستان». وكرد إيران يعيشون في «جنوب شرق – كردستان»). وبالتأكيد فإن أكثر من نصف سكان القامشلي هم من الكرد. إذ في سوريا أيضاً يعتبر الكرد أقلية غير محبوبة ومستغلة. ولكن المرء سرعان ما يكوّن الانطباع بارتفاع درجة الوعي الذاتي وارتفاع حدة المزاج، خصوصاً وأن المنطقة تقع بمحاذاة منطقة كردستان ذات الحكم الذاتي في العراق. ففي البازار أو في رواق فندق المنار الطويل، بما فيه من مقاعد متعددة، وما فيه من شباب يشربون القهوة، ومن خدم يقدمون الشاي حيث نجد حول كل طاولة من يدخن النارجيلة، في كل هذه الأماكن ومنها، نسمع بصوت عال تجاذب الحديث باللغة الكردية ونسمع الضحك أيضاً. وحول طاولات أخرى نسمع في هذه الأيام أحاديث بالإنكليزية من أشخاص مختلفين، وأحياناً بالألمانية، وبالعربية بالطبع.
وبالطبع فإن تجاوز القامشلي ليس سهلاً كلياً، ففي القامشلي مطار تطير منه بانتظام طائرات الخطوط الجوية السورية. ومع أن الطائرات تقلع غالباً شبه خالية، فإن الحصول على بطاقة وحجز مقعد عليها يحتاج إلى علاقات خاصة، أو عبر تدخل معارف أو من خلال الرشوة المعروفة عادة. صحيح أن القامشلي موجودة في منطقة الكرد السورية وهي إلى الغرب من مناطق استخراج النفط في البلاد، فهي تقع تحت رقابة رجال المخابرات. وحين أسأل لماذا تطير الطائرات شبه خالية، أو لماذا معظم الرحلات محجوزة أو ملغاة، ولماذا لا يعمل جهاز الكومبيوتر، فلا أجد أحداً يوضح لي ذلك.
ولكن بالإمكان أيضاً السفر من دمشق باستخدام الباص السريع. وهذا لا يكلف كثيراً، وبالإمكان أن نرى مزيداً من البلاد. إلا أن الرحلة تستغرق تسع ساعات. هذا هو زمن الرحلة إلى القامشلي. والطريق تمر عبر تدمر، وهي مدينة صغيرة تعيش على ما تبقى فيها من آثار قديمة، وقد قامت تدمر المدينة عند أطراف هذه الآثار. بعد ساعات الرحلة الطويلة التي يحتفظ المرء منها بذكريات عن الصحراء الحارقة والرمال الحمراء، ينام معظم المسافرين بمجرد وصول الباص إلى المساحات الخضراء عند منابع المياه التي تغذي الواحات. بعد ذلك تمتد الطريق عبر الصحراء السورية إلى دير الزور. وفي المرحلة الأخيرة المقدرة بـ150 كلم لا يرى المسافر إلى القامشلي شيئاً كثيراً. إنها ظلمة دامسة والباص يعبر القامشلي. في صباح اليوم التالي وفي السادسة صباحاً نسافر نحو دجلة، وعبر النهر إلى كردستان العراق. وبعد الظهر نصل إلى أربيل.
مزاج غريب يسيطر على البلد! والكل ينتظر في هذا الشرق – غرب مرور بعض الوقت، ونحن جميعاً نعاني ذلك إلى أن تقترب عقارب الساعة من الساعة «الثانية عشرة ظهراً». وهو الوقت الذي حدده جورج بوش الإبن لبدء حربه، التي ستؤدي لاحقاً إلى إطاحة الديكتاتور غير المرغوب فيه صدام حسين، حتى يقتل أو يزاح، وحتى يصبح الباب مشرعاً للعبة جديدة ولنظام جديد في العراق، تبدو معالمه في النجوم ولا علم لنهايته قبل انقضاء وقت طويل. وحتى نبلغ تلك النهاية لا نعرف من سنعد بين المنتصرين ولا من سنعد أيضاً بين الخاسرين.
في هذه الأيام من شهر آذار/ مارس تُظهر الانطباعات والملاحظات الاضطراب في أربيل، التي تعتبر أكبر مدينة في كردستان العراق، وفي مناطق أخرى من هذا الإقليم. حيث يسود التداخل بين ما يحدث قبيل الحرب وبين الحالة الطبيعية التي تجري بانتظام يومي: هذا ما يحدث على سبيل المثال في ملعب أربيل لكرة القدم الذي يشهد وقد امتلأت مقاعده في الثالثة بعيد الظهر مباراة بين الفريق المحلي، فريق «هولير» (وهذا هو اسم أربيل بالكردية وترجمته «عرش الآلهة») وفريق «النفط» القادم من بغداد. وقد يحدث بعد أسابيع أن يصبح اللاعبون جنوداً يقفون بعضهم ضد بعض ويطلقون كأعداء النار بعضهم على بعض. فلا أحد يعرف ما يجري، لا المشاهدون الفرحون ولا اللاعبون أيضاً. بل إن بعضهم قد استفاد من الاستراحة بين شوطين ليتحدث إلى الصحافيين الغربيين الموجودين وليقول: هنا بالإمكان أن ترى مرة أخرى كيف يتعايش الكرد معاً بشكل طبيعي مع العرب في المدينة الواحدة. ربح فريق أربيل مباراة ذلك اليوم بنتيجة واحد إلى صفر، وبعجلة صعد الفريق البغدادي إلى الباص، فهو لن يستقبل في بلده بترحاب.
في اليوم نفسه وعلى بعد 50 كلم إلى الجنوب من أربيل عند خطوط الفصل مع عراق صدام، لم يكن الوضع ودياً. ففي وقت كانت النساء فيه يعدون طعام الغداء، حاصرت وحدة من الكتيبة الخامسة العراقية منطقة شيروڤا وبعض القرى الصغيرة المجاورة وطلبت من السكان إخلاءها على وجه السرعة. وقد روى أحمد حمود الذي كان يؤدي الخدمة في وحدة كردية مع رجال آخرين على بعد 20 كلم أنهم قالوا له: لديكم 15 دقيقة حتى تختفوا. ومن يبقى بعد ذلك هناك ستطلق النار عليه. حمل الأولاد والنساء ما يقوون على حمله، وتركوا المنازل وذهبوا حتى وصلوا إلى حيث كنا». بعد الظهر هوجمت حظائر الماعز المصنوعة من الطين وسويت بواسطة الجرافات بالأرض.