أنت هنا

قراءة كتاب اللغة في المعرفة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اللغة في المعرفة

اللغة في المعرفة

كتاب "اللغة في المعرفة"، المعرفة بخصائصها الأساسية لا تحقق وظيفتها في الفن إلاَّ عبر المفاهيم، بما هي بنى عقلية في لبوس لغوي، وهي في العلوم الإنسانية كما في الأدب والميادين التي تتخذ اللغة جسداً لها معطى عقلي، حيث تفرض اللغة على الأدب وعلى الفكر المتجسد بها

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

السؤال المركزي الذي يطرحه علم الاجتماع في ميدان الفنون. ما هي العلاقة ما بين الفن والمجتمع؟ هل القيم الفنية التي ينتجها المبدعون، هي قيم ذاتية أم اجتماعية؟ وإلى أي درجة يكون تطور المجتمعات المادية دليلا على تطور الفنون؟ من ناحية أخرى هل أن تطور الفنون دليل على تطور المجتمعات ورقيها؟ إننا ننحاز إلى الشق الثاني من القضية. لأن الإبداع هو الشكل الأرقى من أشكال النشاط العقلي المركب، يتجه الشخص بمقتضاه إلى أنواع جديدة ومبتكرة من التفكيرأو الفن أو العمل والنشاط اعتمادًا على بنية ذهنية معرفية، هي خبرات وعناصر محددة؛ أي أن الإبداع يشير إلى تلك القدرة على إعادة تشكيل عناصر الخبرة في أشكال وصيغ جديدة (فنية أو أدبية أو علمية أو أي نشاط فكري آخر)، كذلك استجابة النصوص الفكرية المتنوعة، لأنها تسهم في تشكيل البنية الذهنية المعرفية لدى أفراد هذه المجتمعات. فتصبح لبنة أساسية في بناء الثقافة، الأساس الفكري في البناء المادي ـ الحضارة.
القراءة هي العامل الأول في بناء المخططات المعرفية لدى الذات الفردية، ولدى الجماعات إبداعا للقيم الفنية والأدبية بشكل عام واستجابةً لها، بما هي عامل فاعل قائم بذاته منتج للأفكار، وبانٍ للمخططات المعرفية، هي النشاط الفكري النامي المتغير، لا يزداد حسابيا ولاتراكميًا، إنما تفاعليا جدليا. القراءة عامل إيجابي، بها يستجيب القارئ لما يستقبله، ولا يخزِّنه كما هو، لكنّ القيم المستقبلة تتفاعل مع تلك المتكونة، لتنتج بنية فكرية جديدة، هي نتاج التفاعل ما بين القديم المنتج والجديد المستقبل. القراءة في الإبداع الفكري والأدبي هي حوار مع الوقائع الحياتية، بعد تحويلها إلى نصٍ مفاهيم فكرية، واستجابة لها بواسطة البنية المنطقية الانفعالية لدى الذات العارفة. فالأساس في بناء المخططات المعرفية هو كيفية التعامل مع النصوص الواقعية بعد تحويلها إلى لغة، فيكشف القارئ بذاته دلالة النص، بعد أن يكون قد تزود بمنهجيات معرفية، تساعده في فك شيفرات النصوص على أنواعها، واكتشاف دلالاتها، ومعرفة الخصائص البنيوية للأنواع الأدبية، التي تنتمي إليها، وكيفية تجليها في النصوص اللغوية وفي أنماطها التعبيرية. من جهة ثانية عندما تبني القراءة المخططات المعرفية في تعاملها مع النصوص العلمية والفنية، تغير في المستوى المعرفي لهذه المخططات، وفي رؤيتها إلى النصوص، فتقرأها بعيون جديدة. فالقراءة في نشاطها تبني ذاتها في الوقت عينه عندما تبني هي هذه المخططات المعرفية.
أنواع النصوص الأدبية: يتجلّى النص في الأدب وفي العلوم الإنسانية في أنواع أدبية وأنماط تعبير، تفرض نفسها في طبيعته ولغته، وهما من المفاهيم المنهجية الحديثة في علم النص، وفي التوجه الجديد في علوم التربية والتواصل والثقافة، ترتكز هذه العلوم على المنحى المعاصر في المعرفة والتربية، حيث انتقلت المعرفة في ميادين العلوم الإنسانية، من المعلم إلى المتعلم، كنتيجة للانتقال من التعليم إلى التعلم، بما لهذه الصيغ الصرفية من دلالات معرفية ومنهجية وسياسية أيضا، ففي الدلالة المعرفية استند هذا التوجه الجديد إلى تغير التوجه من الحقيقة المرجعية إلى الحقيقة النصية. فالحقائق في التعليم، كانت تنتجها سلطة ثقافية، يعرفها المعلم، وينقلها إلى المتعلمين، وعليهم استقبالها كما هي، صحيح أنها معارف قد تكون جيدة لهم، تفيدهم في الحياة العملية، لكنها حقيقة، تفرضها السلطات الثقافية، فتصير هي القيم الثقافية المهيمنة، وأعضاء هذه المجتمعات يصيرون مستجيبين سلبيين، ومخططاتهم المعرفية تبنى تراكميا، ثم يأتي زمن آخر وعلوم أخرى ومناهج علمية جديدة وتوجهات منهجية جديدة، لنكتشف ارتباط هذه الحقيقة المرجعية بقائلها، وببنيته الذهنية المعرفية، التي تعكس مصالحه ورؤيته إلى الحياة. في هذه الحالة يكون المتعلم متلقيا سلبيا، يستقبل معلومات جديدة، لكنَّ بنيته الفكرية لا تعمل كما يجب، ولا تتطور بما فيه الكفاية، ولا يكتسب مهارات فكرية جديدة، تسهم في تكوين البنية المعرفية الانفعالية لديه، وتبني لديه التفكير المنطقي عوض التفكير اللفظي الشكلي كما في التعليم، هناك لم يكن المتعلم يسعى إلى اكتشاف دلالات النص بنفسه، لكنه كان يأخذها جاهزةً، لأن معرفة دلالات النصوص كفايات، والقراءة النصية مهارات، تساعد المتعلم على تكوين مخططاته المعرفية، ليصبح قادرا بنفسه على اكتشاف مضامين النصوص بحسب عدته المعرفية، وحل المشكلات التي تعترضه بنفسه في تحصيله الأكاديمي وفي الحياة العامة على السواء، لكي يصبح إنسانًا فاعلا في مجتمعه. لأن هدف التربية الأساس هو تعويد المتعلم على حل المشكلات الحياتية بنفسه، وتقوية نقاط القوة في شخصيته، فتبدأ نقاط الضعف بالتلاشي، إذا التوجه الجديد في التربية يهدف إلى الانتقال من المعلم إلى المتعلم، ومن إعطاء المعلومات حقائق جاهزة، إلى تعويد المتعلم على القراءة المنهجية، تساعده في الكشف عن دلالات النصوص، ودور المعلم الأساس يكمن في تزويد المتعلم بهذه الأدوات المنهجية، وتركه يسعى بنفسه إلى اكتشاف حقائق النص الذي يدرسه، وكل نص يتعامل معه، هكذا تحقق التربية أهدافها في الأكاديميا وفي الحياة وفي العمل على بناء التكوين الشخصي للمتعلم، وتنمية نقاط القوة في شخصيته. عندها تصير القضايا التي تعترضه نصوصا، يعمل على فك شيفرتها ومعرفة دلالاتها. لأن هدف التربية الأساس تكوين البناء الفكري السليم لدى المتعلم، وتعويده على حل القضايا بنفسه. وهذا المنهج لا يطال التربية الأكاديمية وحدها، إنما أبعادها الاجتماعية والسياسية. وستصبح المعلومات ملكا مشاعا للبشرية جمعاء تقدمها الميديا الرقمية، وتبقى للذات الشخصية القدرة على التعامل معها والإفادة منها، واستخدامها في ما تريده هي من أهداف.
الحقيقة النصية: القضية الثانية الإشكالية هي ألا يقدم النص حقائقه بنفسه؟ أليست هناك من حقيقة موضوعية؟ علينا أن نعمل على اكتشافها وتعميمها. لقد بينت العلوم الحديثة في فلسفة المعرفة، أن طبيعة النصوص في العلوم الإنسانية تجد حقيقتها الأساسية في كونها لغة. واللغة نسق من الرموز كلمات وتعابير، تتشكل في ألفاظ ومعان؛ العلاقة ما بين ألفاظها ومعانيها عرفية اصطلاحية، الألفاظ حوافز، تشير إلى معان في ذهن المتكلم والسامع كلٍ على حدة، وهي نسبية لدى كليهما، تشير إلى مقاصد قائلها، وتختلف هذه المقاصد لدى سامعها، ولا تشير إلى الحقيقة الموضوعية، بل إلى الحقيقة التي يراها القائل، لأنها ترتبط ببنيته الذهنية المعرفية، أكثر من ارتباطها بالحقيقة الموضوعية، فالنصوص جسد لغوي، وعلينا التعامل معها انطلاقًا من طبيعتها وخصائصها ومميزاتها. وبحسب القاعدة اللغوية المعروفة، «ليس للفظة معنىً، إنما لها استعمالات»، والاستعمالات هي كل ما أسبغه القدامى من معانٍ على هذه اللفظة، وهي متعددة متباينة ومتعارضة في أحيان كثيرة. سابقة على التجربة الذاتية، وكل شيء في الحياة نص، يحتاج إلى قارئ وقراءة، فما هو النص؟، وما هي القراءة؟.

الصفحات