كتاب "اللغة في المعرفة"، المعرفة بخصائصها الأساسية لا تحقق وظيفتها في الفن إلاَّ عبر المفاهيم، بما هي بنى عقلية في لبوس لغوي، وهي في العلوم الإنسانية كما في الأدب والميادين التي تتخذ اللغة جسداً لها معطى عقلي، حيث تفرض اللغة على الأدب وعلى الفكر المتجسد بها
قراءة كتاب اللغة في المعرفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لقد وجدنا أن من المنهجية إعادة النظر بالمصطلحات العلمية ودلالتها اللغوية، فلم نوافق على مفهوم الاستقبال الفني أو التلقي الجمالي، بل اقترحنا مفهوم الاستجابة الفنية؛ المعرفية المنطقية ـ الانفعالية على حد سواء، وقدمنا تعريفا علميا منهجيا للمخططات المعرفية، بكونها بانية البنية المعرفية بمكوناتها المنطقية الانفعالية على حد سواء وبها يتم الحكم على مواضيع المعرفة. وإلى عدد من المفاهيم العلمية، التي تنطلق من العقل وتسهم في إنتاج الأدب، وفي استجابته. ودققنا في المصطلحات كم نفهمها، لأنَّ المصطلح هو الترجمة اللغوية للمفهوم العقلي. الذي يعكس بعض الخصائص العلمية لموضوع المعرفة، انطلاقًا من المنهج والفلسفة المعرفية التي بها نرى إلى مادة المعرفة. وللمصطلح عادة تاريخ طويل من تبدل المعنى، وتغير الدلالة، وهناك عدد كبير من الباحثين يستخدمون مصطلحاتهم بتباينات متفارقة، وليت كل باحث جاد يقدم لقارئه مضمون مصطلحه، ليصير قصده من استخدام المصطلح واضحا، لأن القاعدة المنهجية تقول «ما أصعب إيجاد المصطلح وما أسهل استخدامه». لذا هناك مساحة واسعة في بحثنا مخصصة لشرح المصطلح وتفسيره، لكي ينقل فهمنا الخاص لموضوع المعرفة. من ناحية ثانية اعتمدنا منهج البنيوية الوظيفية في طورها السيميولوجي عند مقاربتنا لموضوعنا المعرفي، بما هي منهج حديث لكل مادة معرفية، يكون أساسها اللغة، وكان منطلقنا هو الناحية العملية في المعرفة، ولقد وجدنا أنَّ البشرية عندما نظرت إلى مكونات البيئة الطبيعية، إلى ماهية كل مكون بحد ذاته، دمرت الطبيعة، وتسببت بكوارث وخسائر لا تعوض، أما عندما نظرت إليها بكونها بنية، وكل عنصر فيها يقوم بوظيفته بارتباطه بالعناصر الأخرى، وبأننا لا نستطيع أن نلغي عنصرا، دون الإخلال ببقية العناصر. أدركت البشرية عندها ماذا فعلت يداها عندما كانت نظرتها غير بنيوية، لذا تسعى في الوقت الراهن إلى ترميم ما دمرته، وتسعى جاهدة إلى الاهتمام بالحيوانات المعرضة للإنقراض، ولكن ما دمرته من البيئة النباتية، فقد ذهب وليس بمقدورها أن تعرف ماذا جنت يداها من خسائر لن تعوض، لذا تسعى البشرية الآن إلى المحافظة على البيئة، وانتقلت من مركزية الإنسان في الطبيعة، وأنّ بمقدوره أن يضع كل مكونات الطبيعة في خدمته، إلى النظر إلى كونه عنصرا في الطبيعة، ككل مكون فيها، ولهذه المكونات المتفرقة مبررات وجودها في الطبيعة، ولها مكانتها الخاصة فيها، الذي لا يحل محله مكون آخر، وليس مبررات وجودها في خدمة الإنسان، وإن كانت معرفة هذا المكون لا تزال خارج طائلة العلم.
الإنسان، بمعنى هذا النوع من المخلوقات، الذي بواسطة خصائص لغته بنى فكره، الذي أنتج هذه الحضارة، التي نعيش ضمن مفاهيمها، لا يستطيع إلّا أن يعرف، وهكذا نستطيع أن نقول بشيء من المجاز؛ إنّ المعرفة تصبح غريزة لدى الإنسان. فهو يتعرف إلى العالم المحيط به بغية التعامل معه. وبعضهم يقول بغية السيطرة عليه، ولكن ليس السيطرة، لا بل أقل من السيطرة، التي هي التدخل غير الواعي في الطبيعة، وبغير الانسجام مع قوانينها، الذي كانت له نتائج كارثية. لذا إنّ طموح الإنسان ينبغي أن يعرف قوانين الطبيعة، لكي يأتي هذا التدخل منسجمًا مع قوانينها بهدف التعامل معها، والسير بحسب معطياتها، وليس السيطرة عليها، عندما عرف الإنسان الأول أنّ الاتقاء من الريح يجلب له الدفء، لجأ إلى الكهوف، فوجد الراحة. والأغنام، عند المطر الشديد والبرد القارس، تتجمع إلى جانب بعضها البعض فتجمّع طاقاتها وتتقي البرد .
من ناحية ثانية كل المخلوقات الحية اجتماعية، واجتماعيتها تنبع من طبيعتها في المحافظة على استمرارية النوع بهدف البقاء، لذا فهي كلها تحتاج في حياتها الاجتماعية إلى وسيلة تواصل، تنقل بواسطتها الفكر، وتؤثر في خيارات الآخرين، هي ما نقول عنها لغة، التي تحمل مقاصد قائلها إلى الآخر، هكذا يجري التفاعل ما بين البشر في اجتماعهم، لكن شكل التنظيم الاجتماعي مختلف، فلدى الإنسان العامل الثقافي، يلعب دورا محوريا في بناء حياته، الذي ليس نافعا دائما، وهو متنوع من حيث البساطة والتعقيد والضيق والاتساع. فللمحافظة على النوع هناك اجتماع الذكر والأنثى، ولتكوين العائلة والحياة الاجتماعية هناك التكريم للذكر عند الأسود، ولدى بعض فصائل القرود في الهند، لأنّ الذكر هو الذي سيقود الجماعة الحيوانية. لكنَّ هذا الشكل من استخدام اللغة، لم ينل حقه من الدراسة والتدقيق في معرفة الفروقات ما بين اللغة الإنسانية واللغة الحيوانية. لذا سينصب هدفنا على رؤية دور اللغة في التفكير وفي حملها للقيم الفكرية وتحديدا هنا القيم الأدبية، بكونها إحدى الحاجات الحياتية للإنسان للتعبير عن مقاصده وبالتحديد في الأدب بكونه أحد مكونات حياة البشر الفكرية
ختاما أود أن أشكر كل من وقف جانبي في إنجاز هذا الكتاب وأخص بالشكر الدكتور يونس فقيه صديق الدراسة الجامعية وشريك الهموم الفكرية لما أبداه من ملاحظات قيمة عند قراءته لهذه المخطوطة، فله مني ألف تحية شكر وامتنان.