كتاب "اللغة في المعرفة"، المعرفة بخصائصها الأساسية لا تحقق وظيفتها في الفن إلاَّ عبر المفاهيم، بما هي بنى عقلية في لبوس لغوي، وهي في العلوم الإنسانية كما في الأدب والميادين التي تتخذ اللغة جسداً لها معطى عقلي، حيث تفرض اللغة على الأدب وعلى الفكر المتجسد بها
قراءة كتاب اللغة في المعرفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
الــنــص
الواقع هو النص الأول والفكر هو الذي يقاربه.
النص
النص مادة القراءة المنهجية الأولى، أي عندما يرى الفكر في كل مادة معرفية نصا، ويقوم بقراءتها، ويخرج بدلالة منها. النص لغةً في العربية من الفعل نصّ، أي إرتفع، والمنصة اسم مكان للمرتفِع من الحيز المشترك. جاء في لسان العرب(5): «نصّ الحديث، ينصه نصا؛ رفعه، وكل ما ارتفع وظهر هو نصٌ، ونصَّ الحديث أسنده، ونصّ المتاع نصًّا جعل بعضه على بعض»، وكل مادة نريد معرفتها تصير نصَّا. النص في اللغة اللاتينية، وفي اللغات التي أخذته عنها Texte، وأصلها textile، وهو النسيج القماشي بكل ما فيه من خيوط متشابكة وعمليات متداخلة وعناصر تآلفت، لتشكل كلا منسجما.
النص متن لغوي، هذه حقيقته الموضوعية؛ وحداته الأولى المكونة لنسيجه مفاهيم في ألفاظ وتعابير وتراكيب وبناء كلي، صور بيانية، ومعان متعددة تعينية وتضمينية، لا تأخذ دلالتها العامة إلّا في كليتها، وليس في أجزائها المتفرقة. النص كمفهوم من مصطلحات التعلم، التوجه الجديد في التربية، التي تركِّز على أنّ المتعلم هو الذي يبحث عن دلالات النص، هو القارئ الذي يكشف عن مضامين هذا النص بواسطة منهجه المعرفي. ويقيم مفهومه الخاص به، وليس ذلك المعلم في التعليم، الذي يعرف مضمون النص، وينقله إلى المتعلمين، وعليهم معرفته. فوظيفة المعلم في التربية الحديثة صارت تقديم المنهجيات المعرفية لقراءة النص.
الـخـطـاب: Discour
مفهوم آخر، يختلف قليلا عن مفهوم النص. يشترك معه في أن كليهما متن لغوي. الخطاب لغة صيغة الاسم من الفعل خَطَب، والخَطب الشأن والأمر، وقيل هو سبب الأمر، والأمر الذي تقع فيه المخاطبة، والخطاب والمخاطبة : مراجعة الكلام(6)، وفي المعنى المعاصر هو الكلام في الشأن والأمر والحال(*). يعرّف بنفنيست الخطاب؛ «بأنه قول يفترض متكلما ومرسلا اليه. يتضمن رغبة المرسل التأثير في المرسل إليه، المعروف منه، ويعبر عن نفسه بضمير المتكلم».
الخطاب، كما النص، يشير في المفهوم اللساني المعاصر إلى الكلام، الذي يتجاوز الجملة، تدرسهما البنيوية السيميولوجية انطلاقًا من تسلسل الجمل، وترابطها النحوي، ووحدة دلالتها الكلية. وأدوات الربط فيها تجمع عناصرها لتشي بدلالتها العامة، لكن النص، بكونه لا يرتبط بمرسل إليه محدد، أكثر انتشارا من الخطاب، وإن كان علماء النص يعتبرون أنّ له مرسلا إليه افتراضيا، لكنه غائم عام غير محدد، المتكلم في النص غير مرتبط به، ولا يتحدد نصه ولغته به. وهذا الأساس في التفريق ما بين النص والخطاب وأخذه عاملًا أساسًا في التفريق بينهما.
النص والخطاب كلاهما مجموع الكلام (الكلام بما هو منتج فردي) الخاضع للقراءة والتحليل، وهو بهذا المعنى متن لغوي، شفويا كان أم كتابيا، أما التحديد المعرفي للنص، فهو الذي قالت به جوليا كريستوفا: «النص أداة تتوسل اللغة، وتعيد ترتيبها لإقامة علاقة ما بين الكلام الإبلاغي والكلام السابق والمعاصر المختلِف، الذي قيل سابقًا من آخرين، لكنّ القائل يعيد ترتيبه»، وما لم تقله كريستوفا، ونستشفه من رؤيتها الفكرية، هو أنّ القائل يعيد ترتيب اللغة بحسب النظام الذي يريده، ويحمِّله مقاصده الفكرية ومخططاته المعرفية، والتي كانت قد تشكلت سابقا في بنيته المعرفية. النص، كما قال به رولان بارت، معطى منهجي، يخضع لقراءة المرسل إليه، ويقف بموازاة العمل الأدبي، هذا الأخير يمتلك وجودا فيزيائيا، لكنَّ وجود النص معرفي أولا واخيرا. والقرّاء أفرادا عاديين في حياتهم اليومية، أو كتّابًا مجلّين في نشاطهم الذهني، يبدعون أفكارًا جديدة، تأتي الكلمات والتعابيرالجديدة لتعكس أفكارهم. لذا النشاط الفكري ليس إبداعا للأفكار الجديدة فحسب، وإنما تكوين للغة الجديدة أيضا، هكذا تصير اللغة بكثرة مفرداتها ودلالاتها على المعاني الجديدة معيارا على النشاط الفكري لدى أي شعب من الشعوب.