كتاب "اللغة في المعرفة"، المعرفة بخصائصها الأساسية لا تحقق وظيفتها في الفن إلاَّ عبر المفاهيم، بما هي بنى عقلية في لبوس لغوي، وهي في العلوم الإنسانية كما في الأدب والميادين التي تتخذ اللغة جسداً لها معطى عقلي، حيث تفرض اللغة على الأدب وعلى الفكر المتجسد بها
قراءة كتاب اللغة في المعرفة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
يخضع النص للتحليل البنيوي، بقدر ما البنيوية هي الخاصىة التي تميز اللغة في عملها، وتشتمل على جوانب، تجتمع لكي تقدم دلالتها النهائية، وتشتمل على الجانب الصوتي والدلالي والبياني والتركيبي، وبحسب آليات التأويل. النص في المعطى التداولي مرسلة لغوية، تحمل مقاصد القائل، وتتجه إلى مرسلٍ إليه افتراضي. ودارس النص لا يعرف المرسل إليه، لكي يأخذ بنيته الفكرية بعين الاعتبارعند التأويل، ولا السياق الحياتي الذي تم فيه الكلام. فالنص، بعد أن ينتهي منه قائله، يصبح متفلتا منه، يسبح في فضاء حر، وبخضوعه للتأويل بكونه القراءة الموضوعية ، يكون أكثر من غيره من المتون اللغوية سببًا للنصوص المُؤولة، حيث أنّ كل قارئ ينتج نصه الخاص به.
النص في الاستعمال أعم من الخطاب، لذا سنستخدم لاحقا مصطلح النص للخطاب والنص معا، إلّا عندما تقتضي ضرورة التفريق بينهما للتركيز على خصائص الخطاب. يستخدم بعض الباحثين مفهوم الخطاب، فيعتبرون أنَّ كل نص هو خطاب موجه إلى مرسل إليه إفتراضي، ويركزون على خصائص التعبير في الكلام، بما هو خصيصة الخطاب، لذا نركزعلى مفهوم النص، لأنَّ المعرفة لدى الإنسان تحاكي الغريزة في عملها، الذي يحول كل مادة حياتية معقولة إلى نصٍ، حتى دون قصد التعبير، والتوجه إلى مرسل إليه. لكي يتحول إلى خطاب. ونقصد بالنص الفعل المعرفي ما قبل التعبير، لكي يصير خطابًا فالخطاب هو النص في التعبير.
النص والخطاب كلاهما الكلام المعلن، وليس الأفكار المنوية والمقاصد المضمرة، معبِّـرًا عنه بواسطة اللغة، بها يتجسد الفكر ماديًا، تتحدد سماتهما بخصائص اللغة، ومنها وظيفة المرسلة اللغوية؛ الجمالية أو المرجعية وخلافها، بكل ما يحمله هذا المتن من مضامين ودلالات وتعقيدات وانزياحات في التعبير ومعان تعيينية وتضمينية. النص والخطاب هما الأفكار والآراء، أي التعبير عن الحالات الفكرية ـ الشعورية، التي نريد إعلانها، فتتجسد في وجود مادي، بمقدورنا قراءتهما ودراستهما انطلاقًا من وجودهما المادي أي اللغة. الفكر، ما لم يتجسد في لغة، ميتافيزيقي غائم، لا نستطيع التقاطه وتحليله لمعرفته، لذا لا نستطيع قراءته واكتشاف مضامينه. ومعرفته تكون تخمينية غير علمية(7).
تطلق الألسنية كلمة نص على مجموع الأقوال الخاضعة للتحليل. فكلمة «قف» نص، والرواية بكاملها نص، النص كما يعرفه الألسنيون جملة واحدة، بدايتها في أوله، تنتهي في نهايته، مع ما يتخللها من علامات الوقف، تشير إلى تفاصيل، تصب كلها في دلالته العامة.
يقارن رولان بارت النص بالعلامة اللغوية، ويرى أنّ كليهما مكون من دال ومدلول. الدال في النص هو الأصوات السماعية أو المنقولة إلى خطوط كتابية، اجتمعت في تعابير وجمل ومقاطع وفقر وبنيان متكامل. وتحددت بالسياق، وبذلك الموقف، وبتلك الصورة الذهنية ـ الوجدانية، التي يرسمها المرسل عن المرسل إليه، وتتكيف بهذا المرسل إليه، كل هذه العناصر مجتمعة تشي بالدلالة العامة. أما المدلول فهو المعنى الكلي، أي الدلالة العامة التي تؤديها هذه الدوال مجتمعة. للفظة المفردة خارج التركيب، معنى معجمي ساكن، دلالتها خامدة، لا تقدم شيئًا، ولأن اللغة لا تعبرعن نفسها إلّا في التركيب، الذي نقول عنه النحو، يصبح النص هو النحو الأكبر، أي تركيب النصوص في بنائها اللغوي وشكلها المعماري؛ ما يتقدم منها، وما يتراجع لضرورات إبلاغية ـ دلالية، لكي تعبّر عن مقاصد قائلها. الحقيقة الموضوعية المزعومة في النصوص اللغوية، هي تلك التي تفرضها السلطات الثقافية؛ الطبقات المسيطرة، على أنها الحقيقة المطلقة، هي نوع من الفكر السلفي الحداثوي (كذا). وقراءة النص هي فعل تفكيك له، يرى إلى هذه الهيمنة في فرض هذه الفئات حقائقها الخاصة على أنها الحقائق الموضوعية، وإلى دور تلك الدلالات التي يفرضونها على الكلمات والتعابير، كما يرى إلى الحقائق المفروضة على الأشياء، على أنها هي الحقائق الموضوعية، وهو نوع من السيطرة الفكرية. إننا لا نرى أي موضوعية في الحقائق، إذ إن كل الحقائق نسبية وذاتية. ولا حقيقة مطلقة إلَّا الجهل المطلق.
دراسة النص لا تكون في أجزائه وأقسامه ولكن في كلّيته. وهذه لا تأخذ دلالتها إلّا من دلالة النص العامة. بكلمة واحدة؛ النص هو المجال المادي الذي فيه تتحقق مقاصد القائل، وهو القابل للدراسة والتفكيك والاكتساب المعرفي، هو المعطى المنهجي القابل للقراءة والتأويل ، فما هي القراءة؟ وما هو التأويل؟