المجموعة القصصية "حاول مرة أخرى"، للكاتبة الإماراتية ميرة المنصوري، الصادرة عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، نقرأ من أجواء هذه القصص: " لاحظت التغيرات الجديدة عليه، بدأ صوته ينخفض كلما تحدث في الهات
قراءة كتاب حاول مرة أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
«السموحة»
كنت أعمل محامياً في القضاء الشرعي، بمدينة أبو ظبي وفى صباح أحد الأيام، جاءتني امرأة في منتصف العمر، لم يخف جمالها، بالرغم من ارتدائها للسواد.
تعرف كيف تختار ألفاظها بكل دقة وأناة، تعجبت منها ومن قصتها، بالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي أصادف فيها مثل هذه المشكلات والخلافات الأسرية إلا أنني استغربت ردود فعل هذه المرأة، وهذه قصتها.
كانت السيدة في الثلاثينيات من عمرها، دل لقبها العائلي على أنها من الأسر العريقة في الدولة، الأسر رفيعة المستوى.
لم تكن وفاء قد أكملت تعليمها، لم تكن تملك من الشهادات، سوى شهادة الثاني لمحو الأمية، تزوجت وأنجبت اثني عشر من الذكور والإناث، وهي الزوجة الأولى لزوجها الذي تزوج بعدها ثلاث زوجات. كانت تعيش هي وأولادها في غرفتين للإيجار عانت فيها من الضيق والتعب والحزن ما كانت تعاني.
بعد سنين طويلة من الصبر والرجاء والانتظار، رزقهم الله مسكناً شعبياً، فرحوا به كثيراً وأخذوا يبنون الآمال ويتصورون شكله وكيف سيقومون بترتيبه، تخيلوا باحة المنزل الواسعة التي سيزرعونها وسيملأونها بالأشجار الجميلة والنخيل وسيشترون اللعب والأراجيح ويضعونها في فناء المنزل الجميل.
في الصباح الباكر دق الباب فركض الأولاد يتسابقون ليفتحوه، عندما فتحوا الباب سلم عليهم ساعي البريد وسألهم بلغته الهندية المتكسرة، هل هذا منزل حسين أحمد سعيد، أخذوا يتصايحون إنه أبونا، وأخذوا يحكون لساعي البريد ويخبرونه عن منزلهم الجديد الواسع، كان ساعي البريد محملاً بالأوراق المختومة وبحقيبته التي جعلته لا يستطيع المشي بطريقة مستقيمة.
كان ساعي البريد قد ضاق ذرعاً بالأولاد الذين أخذوا يجرجرونه ويحاولون إمساك حقيبته وحملها، نادوا أمهم بصوت عالٍ، أمي... أمي هناك ساعي بريد لا بد أنه مجرم هارب قد جاءنا متخفياً اتصلي بالشرطة لتقبض عليه، جاءت الأم وهي في حالة من الغضب من أبنائها وهي تتوعدهم وتقسم بأغلظ الأيمان على أن تحرمهم من الذهاب معها إلى السوق، هرب الأولاد ولم يبق إلا هي وساعي البريد، أغلقت الباب نصف إغلاقة وسألت ساعي البريد: ماذا تريد؟ قال لها: هل هذا منزل حسين أحمد سعيد؟ أجابته: نعم، قال هذه ورقة مرسلة إليك من قبل المحكمة ويجب أن توقعي على تسلمها.
أخذت الظرف في تردد، هذه المرة الأولى التي أتسلم فيها ظرفاً من قبل المحكمة، ترى ماذا يوجد فيه؟! (قالت تحدث نفسها) دفعها الفضول إلى سؤال ساعي البريد قالت له: أرجوك اقرأ ما فيه فأنا لا أعرف القراءة، فتح الهندي الظرف ونظر في أسفل الورقة وقال لها: هذه ورقة طلاقك أرسلها زوجك وهي موقعة من المحكمة. وهذا ختم زوجك هل تعرفينه؟؟ نظرت إلى الختم وعرفته، لا تخطئ فيه حيث كان ختمه مميزاً، فقد كان يشبه حصّالة النقود. إنه ختم زوجي الذي أعرفه جيداً من المستحيل أن أخطئ في معرفته راودني الشك، عدت لأسأله مرة أخرى: هل أنت متأكد أن هذه الورقة لي؟ قال: نعم، هل أنتِ وفاء محمد سالم؟ أجبته: نعم. قال بكل تأكيد هي لك أرجو التوقيع على تسلمها، أشار بإصبعه إلى المكان الذي يتم التوقيع فيه، كانت القائمة ملأى بمن هن مثلي، قدم لي دفتر التثبيت على التسلم، وأكد لي، وقّعي هنا. تقول لي وفاء إنها تمنت في تلك اللحظة أن تموت أو أن تنشق الأرض وتبتلعها فترتاح من هذا العذاب ومن هذه الصدمة المؤلمة.
تقول إنها لم تصدق ما جرى، واعتقدت أنها قد تكون غلطة أو مزحة فلماذا سيطلقها؟! تقول وفاء إنها أخذت تتذكر ما حدث معها في آخر ليلة كان فيها في المنزل، كان كل شيء طبيعياً وهادئاً، أخذت وفاء ورقة الطلاق بيد مرتجفة وجلة، وأخذ ساعي البريد يكرر عليها القول بضرورة التوقيع على تسلم الظرف.
أخذت تسأل نفسها على ماذا أوقع؟؟
على هدم بيتي؟... على ضياع أولادي؟... أين سأعيش؟.. ومن أين سآكل أنا وأولادي؟.......
إنني لا أعمل.. وأولادي مازالوا صغاراً يدرسون!!. تمالكت وفاء نفسها وقالت بصوت ملؤه الثقة: حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل. الله لن ينساني، خلقني وقدر لي الرزق.