المجموعة القصصية "حاول مرة أخرى"، للكاتبة الإماراتية ميرة المنصوري، الصادرة عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، نقرأ من أجواء هذه القصص: " لاحظت التغيرات الجديدة عليه، بدأ صوته ينخفض كلما تحدث في الهات
قراءة كتاب حاول مرة أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
كانت حديقة المنزل واسعة يسورها سور من حديد ذهبي لامع، أرضها خضراء، غرست فيه الأشجار على الجوانب لتشكل الأشجار سياجاً آخر لها، عند حلول المساء نفرش البساط على أرض الحديقة ونجلس هناك حتى وقت متأخر من الليل، نتبادل الأحاديث والضحك والأولاد يلعبون في الحديقة بالكرة أو يقفزون فوق الحبل، بعد مرور أسبوع على انتقالنا إلى البيت الجديد، فوجئت بصوت الجرس يدق في الصباح الباكر... لم أكن أتوقع قدوم أحد قلت لنفسي، من يا ترى سيأتي في هذا الوقت المبكر. فتحت الخادمة الباب، قلت للخادمة من عند الباب يا سوجي؟ قالت لي: مدام تريدك.
تقدمت نحو الباب، فإذا تلك المرأة القصيرة، النحيلة، السمراء؟؟ سلمت عليها فأخذتني بالأحضان، وهى تقول أهلاً وسهلاً بكم.. يا جيراننا... والله فرحنا بكم.. وجئت لأسلم عليكم.
أنا صبيحة جارتكم... هل تريدون شيئاً؟ هل تحتاجون شيئاً؟؟.
كانت صبيحة تتكلم بسرعة، لم تترك لي المجال للكلام معها، إلا بعد أن انتهت. كانت تلهث من كثرة الكلام قلت لها: تفضلي... دخلت صبيحة المنزل وأخذت تتلفت في جوانبه كأنها تبحث عن شيء ما، جلست صبيحة على الأرض وقدمنا لها القهوة والماء، فشربت الماء وشربت القهوة، وبقيت جالسة حتى وقت الظهيرة وهي تثرثر دون انقطاع.
كنت أشعر بصداع حاد، بعد كل زيارة لصبيحة إلى منزلنا، كانت زيارة صبيحة لنا استجواباً أكثر منها زيارة ودية. من أنتم؟؟ ولماذا انتقلتم؟؟ بكم بنيتم بيتكم الجديد؟؟ كم عدد أولادك؟؟ هل تعملين؟؟
وكنت أنا أرد على أسئلتها التي لا تنتهي بعد أن انتهيت نظرت إلى ساعتها وقالت: لقد تأخرت، سأذهب الآن قلت لها: تناولي طعام الغداء معنا. قالت: مرة أخرى. خرجت جارتنا صبيحة، واضعة عباءتها على رأسها التي كانت تسحب على الأرض وقمت أوصلها إلى الباب، بعد أن أغلقت الباب ضحكت على نفسي، فأنا لا أعرف عنها إلا اسمها بينما هي عرفت كل شيء عنا. بعد يومين جاءت جارتنا صبيحة وهي تحمل في يدها طبقاً من تمر وقهوة، وقضت معي أربع ساعات وهي تحكي لي قصص جاراتها التي خطبت، والتي تزوجت، والتي طلقت، والتي مات زوجها، عرفت بعد ذلك معدن جارتنا الجديدة، كانت بلا عمل وكان كل عملها الكلام والقيل والقال، كانت صبيحة كالذباب الذي لا يوجد إلا على القاذورات، ولا يقع إلا على الجروح المتقيحة بالصديد والدم. قلت لنفسي إنها مسكينة وقد تكون مصابة بحالة نفسية. بعد شهرين من التعرف بها جاءت صبيحة إلى منزلنا وهي تبكي قلت لها: ماذا بك يا صبيحة؟ ما أن سألتها عما يبكيها حتى انفجرت بالبكاء والعويل وهى تقول: والله إنك ما تتساهلين، حسبي الله ونعم الوكيل سألتها بقلق وأنا أصيح في وجهها: ماذا حدث، تكلمي، قالت لي: وهي تأخذني على جنب، وتهمس في أذني، والله لولا أني أحبك لما أخبرتك.
قلت لها بخوف: أخبريني ماذا حدث؟؟ قالت: يقولون إن زوجك سوف يتزوج، نظرت إليها بدهشة: صحيح.
قالت: نعم، نعم ولقد جئت أخبرك لتحتاطي للأمر.
قلت لها وأنا أنظر إليها بدهشة وتعجب: ومن أخبرك؟؟
قالت هذه وظيفتي في استقصاء الأخبار.
انفجرت ضاحكة بعد أن هدأت من الضحك قلت لها: كيف سيتزوج وهو ميت من عشر سنوات قالت صبيحة ماذا؟؟ مستحيل؟؟
وأولادك الصغار، كيف أنجبتهم، قلت وأنا أبتسم: إنهم أولاد أختي وقد ربيتهم مع أولادي الكبار بعد أن توفيت أمهم. شعرت صبيحة بغصة في حلقها، ونظرت إلى ساعتها، قالت لي بعد أن شعرت بالخزي والذل لقد تأخرت... يجب أن أذهب. قلت لها وأنا أضحك: تناولي الغداء معنا. قالت لي: مرة أخرى إن شاء الله بعد ذلك اليوم، لم أعد أرى صبيحة، كانت لها وحشة.