رواية "امرأة من ظفار"، تفتحت أكمام مشتل أزهار بامتداد السهول والربى والتلال، ومن قمم الجبال حتى الوديان السحيقة كان ثمة عبير فواح يأتيك مع النسيم العليل، فتنبعث حلقات الشعراء يتبارون بـ «المشعير» والـ«دبرارت» مرددين أشعار الحب الرقيقة، وحكايات المحارب الحمي
أنت هنا
قراءة كتاب امرأة من ظفار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(9)
في الفجر أخذتني امرأتان للاغتسال، كانت بقع من «مائه» لمَّا تزل على جسدي، ابتسمتا ساخرتين مسدتا نهديَّ وحاولتا العبثَ بجسدي، انتهرتهما فأنهيا حمامي سريعاً.
فكرت ملياً في كل هذه الأحداث التي مرت بي، أحداث لم أحسب حسابها، وظروف لم أرتبها، كل شيء مَرَّ سريعاً، وربما حلواً، وها أنا أحصد نتائج كل ذلك، رجل في مخدعي، يخلع إزاره عارياً ويخطر في حجرتي كشبح، هذا الرجل نام في سريري وطرد النوم من عيني، حاول العبث بجسدي، بال ونام وشخر في منامه، وفي الصباح كان علي أن أطعمه وأسمع تبجحاته حول « ريح الشمال تغلب ريح الجنوب».
فيما مضى من الأيام كنتُ أنام كما أشاء، وأستيقظ متى أشاء، كنت أجوب مرباط وأسهر وأرقص طبل النساء، وفي الليل أحلم بفارس يجوب بي الموانئ ويطوف بي من قندهار حتى كشمير ومنها إلى بغداد وسمرقند ومدائن طريق الحرير، لم أعد أحس أنني حرة، أصبحت امرأة ذات بعل، بعل ثقيل وخطير كما نيزك سقط من سماء بعيدة.
فكرت ملياً، أنا فتاة واقعية. فلا سمرقند في يدي ولا قندهار، لا بغداد تعرفني، ولا مدائن طريق الحرير تأبه لي، فما أنا إلا فتاة فقيرة في هذه السهول والجبال، فتاة لم تنل حظها من أي شيء، فلا تعليم، ولا وسائل للحياة معقولة فما أنا إلا راعية أشرب حليب النوق وأهيم في الوديان والذرى أحلم بيوم ممطر وبـ «كلأ» لنوقي وأبقاري.
والدي الذي رباني لم يسمعني يوماً كلمة نابية. ولم تجرِ «لا» على لسانه منذ أن عرفته. فأنا حرة كما الريح التي تصفر في الوديان السحيقة والذرى الشاهقة، حريتي التي ورثتها إنما تأتي من امتداد هذه السهول، ومن شموخ الجبال، ومن تحليق الطيور، ومن خمر الإله «واسنلي» الذي تدفق من «عضوه» الجميل عبر الينابيع والغدران يسقي كل محتاج ويفيض به على عرافاته وساحرات خور روري الفاتنات.
واليوم، أنا سليلة هذه القبائل الباسلة، عليَّ أن أفتش في دروب حياة أخرى، حياة قررت أن أمضيها مع هذا «الفتى علوان»، حياة نقية وصادقة.
حين جاء للعشاء في اليوم التالي حادثته، لقد قررت أن « أمضي معك من أجل حياة نقية وصادقه...». أطرق، فأضفت:
- فأما عن ريحك التي تدعيها فإنها عاصفة مزابل ونفايات لا قيمة لها، دعك منها، رأيته يعتصر ويحك أنفه الضخم، فدعوته إلى الفراش. قال لي: إنه سعيد، وإنه يحبني، وإنه لو أتيحت له كل نساء الأرض فلن يختار سواي. أعطيته ما أراد. وحين انتهينا وبالرغم من كل الأمنيات الطيبة والكلام العذب، أحسست أن جسدي بارد، وأن عقلي محتار وشارد، وأن خاطري في بلبال، لم أدرِ كنه ذلك فتمددت على السرير وقد جفاني النوم وطار عني الرقاد.