أنت هنا

قراءة كتاب إيقاع العودة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
إيقاع العودة

إيقاع العودة

رواية "إيقاع العودة"؛ سيطر عليّ إحساس غريب لم أعرف ماهيته، كثير من الوجع يلازمني، وقليل من الملل يحاصرني، وعيناي مسكونتان بالتعب، أشعر بخدر كثيف يتسرب داخل جسدي، سرحت مع أزيز الطائرات المسائية، همست في أذن الليل قائلة: «تعال يا ليل خليك معايا عايز أشكي ليك

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

(بحر الحياة غدار وإحنا لفين رايحين
شايل معاه أسرار وإحنا معاه ماشيين
أيام تفوت وتروح وإحنا ولا حاسين
أحلام تعيش وتموت يا قلوبنا يا خايفين).
صوت يختزل آهات الحالمين وأوجاعهم، طوبى لك يا منير، وأنت تبحر بنا في الأعماق بصوتك العذب الذي يهز الوجدان ويرجّ صفحات الروح، ويطوف بها في العوالم البعيدة.. أي حنين وحزن وجنون ذلك الذي يسكن صوتك؟
وقبل أن تنتهي الأغنية سمعت صوت نقر خفيف على الباب، كان الطارق هو صديقتي ماريكا التي تسكن في البيت المقابل قالت لي:
- ما أجمله من صوت يا هاجر، من هذا المغني؟
- قلت لها إنه الفنان المصري المعروف محمد منير..
ردت بهدوئها المعتاد:
- من سوء حظي لم أسمعه من قبل.. معرفتي تقتصر على أم كلثوم وفيروز، لا أخفيك، تأسرني موسيقى الشرق الساحرة بشدة، فقد زرنا بعض المدن هناك مثل (القاهرة، دمشق، بيروت وبغداد) مع والدي ولاتزال تلك الصور مرسومة في مخيلتي، يبدو أنني سأستمع كثيراً إلى محمد منير منذ الآن، وسأكون مدينة لك إذا علمتني اللغة العربية.
- قلت لها ضاحكة، بشرط واحد أن تعلميني العزف على آلة الكمان، ردت علي بابتسامة عذبة:
- ألا يكفيك العزف بالريشة والقلم يا صديقة.. ثم قالت لي: موافقة.
قلت لنفسي، لو يمهلني الوقت لتعلمت العزف على آلة الكمان منك يا صديقة، ولكن هل يمهلني الزمن لذلك..
وبينما كنت أعد لها فنجان قهوة في المطبخ، سمعتها تعزف على آلة الكمان مع موسيقى محمد منير بكل انسجام..
تحضن كمانها وتبحر به صوب عوالم مدهشة ورائعة من الجمال والنقاء والشفافية؛ فالموسيقى تسمو بالروح وترهف القلب وتهذب النفس والضمير وتجعلها في حالة تصالح وسلام روحي تام..
فرحت بشدة عندما أخبرتها أن فرقته تضم عازفين من جنسيات مختلفة، ألمانيا ورومانيا وبولندا إضافة إلى مصر، قالت لي:
- كلما تنوعت الطيور في الحديقة كان الغناء متنوعاً، هكذا تقول إحدى الحكم القديمة..
- معك حق، الموسيقى لغة عالمية شفافة لا تعرف الحواجز والتمييز، وتتجاوز كل اللغات المحكية.. وقلت لها: يمكنك أن تراسلي فرقة محمد منير، وتطلبي أن تنضمي إلى فرقته..
- كم أتمنى ذلك يا هاجر، سوف أراسلهم في أقرب فرصة مقبلة..
علقت ماريكا على لوحة كانت معلقة على جدار الصالة، وكنت قد أنجزتها تواً، ألوانها لاتزال بعد طرية.. ولم ترها من قبل (قيثارة النيل) اللوحة كانت لفتاة جالسة تحت شجرة نخيل عالية على ضفة النهر وهي تعزف على آلة كلارنيت.. يظهر في الخلفية شكل لمركب عابر في وسط النهر..
– كم هي رائعة هذه اللوحة يا هاجر.. لقد أبدعتِ فيها بمعنى الكلمة، وهذا ليس إطراء بل حقيقة.. لكن قولي لي، لا بد أن هناك شيئاً ما يربطك بتلك الفتاة في اللوحة؟
- معك حق، تربطني بها صلة دم وروح.. لم أخبرك من قبل عن شقيقتي الصغرى التي كانت تجيد العزف على الكلارنيت، وتعلمت منها الكثير عن عالم الموسيقى ومبادئ العزف على بعض آلات النفخ.. لقد توفيت قبل عامين، وشاءت المصادفة أن تكتمل هذه اللوحة في ذكرى رحيلها الثاني الذي يصادف اليوم..
تأثرت ماريكا وقالت لي: إنها تأسف على رحيلها.. شكرتها على مواساتها لي.. وواصلت:
- لوحاتك تدعو للتأمل والإعجاب، وربما تلهمني في يوم من الأيام لتحويلها إلى قطع موسيقية، هكذا هي الفنون، يستقي بعضها من بعض، ويكون بعضها امتداداً لبعض.. أليس كذلك؟
- بكل تأكيد.. ولي عظيم الشرف لو وجدتِ مصدر إلهام في هذه الأعمال المتواضعة..

الصفحات