أنت هنا

قراءة كتاب الأرض الطيبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأرض الطيبة

الأرض الطيبة

في كتاب «الأرض الطيبة»، تتمازج كل هذه الطرق ليكون ما فيها، في الواقع، واضحاً لا لبس فيه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

ملاكو تل عباس الغربي

منذ العهد العثماني وحتى سنة 1975 كانت غالبية أراضي تل عباس مملوكة لآل عطية ونادر ومكاري وغيرهم من أهالي بينو إلّا أن الملاكين الكبار كانوا من آل عطية.
ثم نشأت بعض الملكيات الصغيرة لبعض عائلات تل عباس غربي كآل هلالي وفضول وسابا وفرح وديب وبردقان وحيدر وبولاد.
إلّا أن آل عطية وبحكم ملكيتهم الكبيرة التي امتدت على معظم أراضي البلدة ومنازلها كانوا يتحكمون بكل شيءٍ، بالأرض والبشر والحجر والمواشي.

النفوذ

لقد خضعت تل عباس الغربي كجاراتها لحكم الإقطاعيين من بكوات وأفندية، وقد مارس السيطرة السياسية عليها البكوات من آل مرعبي لا سيما وأن تل عباس الشرقي المجاورة كان يتزعمها غالب العلي المرعبي أسوة بـ«الحوشب» التي لا تبعد كثيراً عن «تل عباس» والتي كانت مركزاً لبكوات آل مرعبي ومنهم النائب والوزير سليمان العلي وشقيقه مالك العلي الذي كان الحاكم بأمره لمدة طويلة، وكان يجاوره في سعدين ودارين بكوات من آل الرشيد، وقد امتد نفوذ البكوات إلى أنحاء سهل عكار متلاقياً مع نفوذ البكوات القاطنين في منطقة القيطع كآل عثمان المرعبي وعبد الرزاق المرعبي وغيرهم.
إنه لأمر طبيعي أن تتأثر تل عباس كغيرها من البلدات بالنفوذ الإقطاعي على المستوى السياسي والمعيشي والاقتصادي والوظيفي، فهم أصحاب السلطة على مستوى الواقع وعلى مستوى النظام، فمنهم: النواب، والوزراء والموظفون.
وكذلك كان لآل عطية نفوذٌ هام لأنهم أيضاً من رجالات النظام ومن الملاكين الكبار في الوقت عينه، إلّا أن آل عطية لم يكونوا على الخط السياسي ذاته، بل انتهجوا سياسات مختلفة. في حقيقة الأمر، كان النفوذ الأشد على أهالي تل عباس هو نفوذ آل عطية لأنّ علاقة الأهالي كانت علاقة مباشرة معهم خصوصاً وأنهم كانوا يعتاشون من الزراعة ويسكنون في منازل تعود ملكيتها لهؤلاء أيضاً.
إن آل عطية كانوا يعتبرون بينو مصيفاً لهم وتل عباس غربي مشتىً، علماً أنّ مناخ تل عباس الغربي كان قاسياً خصوصاً في الشتاء لكثرة ما تهب عليها الرياح الشمالية اللاذعة، أمّا صيفها فرطب وحارق.
أمّا حول تملّك آل عطية لأراضي تل عباس غربي،يروي بعض كبار السن كرشيد نقولا (العماري) وهو ملقب بالعماري لأن والده نزح من بلدة عمار البيكات واستوطن تل عباس غربي والياس دعبول (الذي تزوج من لطيفة القدوم من جبيل التي وفدت إلى البلدة خلال المجاعة التي ضربت جبل لبنان ولم يرزق منها أولاداً فتبنى ابن اخته ميلاد الملوحي)، وعبود جرجس ديب، والأب أغابيوس نعوس([4]) الذي عاش مختلف مراحل البلدة، وخليل سابا وغيرهم؛ لقد روى بعض هؤلاء ما يلي: «أن سيدة من البكوات كافأت الكاتب في ديوانها يوسف بربر عطية لأنه أنقذها من موقف حرج، فقدمت له مساحة لا بأس بها من أراضي تل عباس غربي، ثم أخذ يتوسع ويستقدم العائلات المسيحية من القرى المجاورة ومن بينو.بينما قدم آخرون رواية مختلفة».
لقد أثبت يوسف بربر عطية قدرة في التملك والتوسع متحولاً ونسله من بعده إلى «أفندية»([5])، وقام آل عطية باستقدام العائلات الإضافية من بينو وغيرها من القرى المجاورة وقد شكَّلت تل عباس نقطة جذبٍ للمسيحيين المنتشرين في تلك القرى لأنها القرية المسيحية الوحيدة في السهل التي كان يوجد فيها كنيسة ومدافن وكاهن، ففيها يلبي رغباته وحاجاته ويعيش متجانساً مع الآخرين لأنه وكما يبدو كان يحمّل المسؤولية عن أخطاء غيره في كثيرٍ من الأحيان، فلقد روى أحد هؤلاء الكبار: «أن أحد البكوات طلب من فلَّاحيه أن يقوموا بسقاية أراضيه، وكان الفلاحون في تلك الأيام متنوعي المعتقد الديني، فمنهم العلوي والسني ومنهم المسيحي، وتشاء المصادفات أن يكون بين الذين سقوا الأراضي «نصرانياً أي مسيحياً».
بعد أن انتهى الفلاحون من السقاية، وقبل أن يسدد لهم أجرهم قام ذلك البيك بجولة في أراضيه يرافقه بعضهم، فوجد أقساماً عديدة غير مروية موزعة هنا وهناك، وكان كلما سأل: «لماذا لم تسقوا هذه القطعة، أو هذا القسم أو هذا الجزء؟ كان الفلاحون يجيبونه: «هذه البورة من النصراني» أي حمّلوا النصراني (المسيحي) المسؤولية عن التقصير.
وعندما حان وقت الحساب، اجتمع الفلاحون، وأرسل البيك خلف «النصراني» الذي أقبل خائفاً لأنه علم أنّ الكل حمّلوه مسؤولية التقصير في سقاية الأراضي.
توقع الجميع أن يقوم البيك بمعاقبة النصراني، إلّا أن هذا الأخير نادى على النصراني وأجلسه قربه قائلاً: يبدو أنك كنت تعمل وهم يتفرجون، فأنت تستحق بدل الأتعاب منفرداً.
هذه القصة تدل على أمرين، الأمر الأول: أنّ النصراني كان في تلك القرى الحلقة الأضعف ولا مانع من تحميله المسؤولية، وتعني أيضاً، أن المالك الذي هو البيك، كان منصفاً بحق النصراني وقاسياً بحق الباقين الذين أرادوا التنصل وتحميل المسؤولية للأضعف، إلّا أنه لم يكن يوجد دائماً بكوات على مستوى كهذا من الفطنة والحنكة. طبعاً ليس هذا هو السبب الوحيد، لأن السبب الأهم هو توافر الخدمات التي يحتاجها عند الزواج والولادة والعمادة والوفاة، فوجوده في قرية مكتملة الخدمات تريحه من كثيرٍ من الأعباء، وفي تلك الأيام لم يكن بمقدور المسيحيين المنتشرين في قرى السهل أن يقوموا ببناء الكنائس والمدافن وسيامة الكهنة.

الصفحات