أنت هنا

قراءة كتاب الأرض الطيبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأرض الطيبة

الأرض الطيبة

في كتاب «الأرض الطيبة»، تتمازج كل هذه الطرق ليكون ما فيها، في الواقع، واضحاً لا لبس فيه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

ولعل الرواية التالية تسلط الضوء على سبب من جملة أسباب أخرى كانت تدفع المسيحيين إلى الهروب من مكان إلى آخر: قالت أنيسة كفروني زوجة ابراهيم حيدر: «في يوم من الأيام وبينما كان والدي يصلي تحت شجرة في مكان لاي بعد كثيرا عن المنزول حيث كان البيك يجلس محاطاً بأزلامه، لاحظ البيك أنّ والدي غير موجود في الديوان فناداه إلّا أنّ والدي لم يقطع الصلاة، فأرسل في إثره أحد رجاله الذي لم يلبث أن عاد قائلاً: إنه يصلي يا بيك.
- يصلي ! أجاب البيك غاضباً.
- أجل يا بيك.
بعد قليل أقبل والدي ملقيا التحية فقال له البيك: لماذا لم ترد على النداء؟
- كنت أصلي يا بيك. أجاب والدي.
- تصلي ؟ ألا تعلم أنني أهم من صلاتك؟
- لا يا بيك .لاتخطىء. لست أهم من الله عز وجل.
- وتتطاول عليّ أيضاً؟
يبدو أن البيك قد أحسّ بالإحراج أمام أتباعه إذ لم يعتد على مناقشة من هذا النوع ولم يلبث أن انتصب وتقدم باتجاه والدي غاضباً محاولاً صفعه، إلّا أنّ والدي لم يسمح له بذلك ونشب عراك بين الاثنين أدى إلى سقوط البيك على الأرض أمام الجميع بينما انكفأ والدي حزيناً خائفاً من بطش البيك وراح يتعرض للمضايقة .وفي أحد الأيام جاءه أحد الأزلام سراً طالباً منه الرحيل لأن البيك أصدر تعليماته التي تقضي بتعذيبه، فما كان من والدي إلّا أن حمّلنا مع الأغراض على الجمال وغادر تحت جنح الظلام إلى بلدة الحوشب التي كانت تحت سلطة بيك أقوى، وراح يتردد إلى تل عباس الغربي إلى أن توفاه الله فرحلت أمي إلى جوار أخيها يوسف أسعد داود الذي كان قد وفد من الكنيسة». وتتابع أنيسة: «لولا ذلك الرجل لكان عذّب والدي حتى الموت، لكن الفقراء كانوا يشعرون مع بعضهم لأن الظلم كان يقع على الجميع».
ومهما يكن من أمر لقد وفدت تلك العائلات إلى البلدة، واستوطنتها، وعايشت العائلات التي كانت موجودة منذ القدم كآل توما، وسلوم، ونصّار وغيرها التي بادت بالوفاة والهجرة وتبديل المكان.
ومن العائلات التي استقدمت من بينو إضافة إلى آل فارس، آل مكاري وقاطرجي، وهاتان العائلتان لا تزالان مسجلتين في سجلات بينو حتى تاريخه، أمّا آل متري فقد قدموا من بلدة «المزينة» السورية وآل الحلو من «مشتى الحلو» في سوريا، وآل المجبر من منطقة «الصفصافة» السورية، وآل دعبول من قرية دعبول الدارسة قرب الكويخات، وآل نعوس وفدوا من عزقي في الضنية إلى تل عباس الشرقي ثم إلى تل عباس غربي، وآل زمق من تل عباس الشرقي، وآل بشور (الملقبون بالشربالي من شربيلا) إلخ...
لقد حدث تزاوج بين العائلات الوافدة والمقيمة، وبين عائلات البلدة بشكل عام وعائلات سائر البلدات كالشيخ محمد وكفرحرة وبينو ومنيارة ورحبة وضهر ليسينة والشيخ طابا والزواريب وجديدة الجومة والحاكور وغيرها، إلّا أن العلاقة بين بينو وتل عباس غربي كانت مميزة، فالعائلات التي تقطن البلدتين كانت عائلات مشتركة كآل فارس وسابا وطعمة وكفروني وداود ومكاري ونادر وزيبق وغيرها، وعلى الرغم من التطور الديموغرافي الذي حصل في كل من البلدتين بسبب وفود عائلات جديدة إليهما فلا تزال العائلات المشتركة بين البلدتين على حالها.
وبالفعل، لقد استوطنت بلدة بينو في الحقبة الأخيرة عائلات جديدة متنوعة، منها السنية والعلوية والمسيحية وهم يشكلون حالياً نسبة 10 % من سكانها. وكذلك وفدت إلى تل عباس غربي عائلات جديدة مسيحية منها عائلة الزيبق التي هجرت موطنها الأصلي في بداية الستينيات من القرن الماضي في بلدة الدورة – عكار والتحقت بفرع عبدو الزيبق الذي، وكما يبدو، كان قد سكن تل عباس غربي قبل ذلك الوقت، بالإضافة إلى عائلات أخرى وفدت من الداخل اللبناني كعائلة مسوح والياس الملقبة بعوض القطّاعة (من تل حميرة) وسعد (العبودية) والمصري (العبودية) ومن بعض القرى السورية كإدلين والشبرونية والعامرية كآل دبول وسوسان وملكي، وفي المدة الأخيرة، استوطنتها بعض العائلات المقبلة من جبل محسن في طرابلس وهي سورية الأصل كآل العوض ووهبة وغيرهم.
كما أنّ عائلات أخرى كالشحمينة وفدت إليها في بداية الستينيات من القرن الماضي وآل قيصر الذين يرتبطون بآل الشحمينة برابطة القربى (في النصف الأول من السبعينيات) وهاتان العائلاتان نزحتا عن الدبابية، وآل معماري، وهذه العائلة سورية الأصل من بلدة عمار الحصن ويسكن قسم منها في بلدة الشيخ محمد المجاورة. ويروي موسى محفوض ملكي (أحد الوافدين من الشبرونية): «إنّ العامرية وإدلين والشبرونية هي قرى سورية محاذية للحدود اللبنانية، كان يعيش فيها المسيحيون والمسلمون من مذاهب مختلفة وكان يوجد في الشبرونية آغا ظالم؛ وكان جدي لأمي أبو مخول يحيا فيها وقد ربيت أنا في كنفه لأنه لم يرزق ولداً ذكراَ . لقد كان جدي مختاراً كريماً ومضيافاً إلى درجة أن بيته تحول إلى منزول، وأصبح ذائع الصيت. وفي أحد الأيام غضب الآغا منه فشتمه طالباً منه الرحيل خلال يوم واحد؛ حزن جدي ولم يلبث أن انتشر الخبر فعلم بالأمر عزيز سوسان ابن أخت جدي، وكان عزيز رجلاً شجاعاً مرهوب الجانب، فلم يلبث أن وصل إلى الشبرونية واعتلى سطح بيت جدي، ولما لحقت به انتهرني طالباً مني النزول فامتثلت. كان بيت الآغا مواجهاً لبيت جدي وقريباً منه، بعد قليل نادى عزيز الآغا بأعلى صوته، طالباً مواجهته، موجهاً إليه سيلاً من الشتائم أتبعها باطلاق النار من بندقية صيد مهدداً إياه بالموت إذا لم يعتذر من خاله (أبومخول). وفي اليوم التالي قدم الآغا اعتذاره من جدي الذي صمم على الرحيل، كان ذلك سنة 1959. وهكذا أرسلني إلى بلدة التليل لأتدبر له منزلاً، وقد فضل التليل على غيرها من القرى المسيحية اللبنانية والسورية بسبب وجود أقرباء له من آل جلول وبذلك يكون جدي أول الوافدين من الشبرونية وكنت أنا معه؛ بعد ذلك بقليل بدأ والدي وأقرباؤه يفكرون بالرحيل إلى أن اتفق مسيحيو القرى الثلاث على بيع مواشيهم وأرزاقهم والتوجه إلى لبنان؛ واستقر الرأي أن تكون وجهتهم تل عباس غربي لأنها بلدة مسيحية وكانت في ذلك الوقت مزدهرة ومجال العمل فيها متوافر، فوفد إليها آل ملكي ودبول وسوسان والبياض. وهكذا ارتاح الجميع من اضطهاد الأغوات والبكوات ووجدوا فيها من الخدمات الدينية ما يريحهم».

الصفحات