أنت هنا

قراءة كتاب الأرض الطيبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأرض الطيبة

الأرض الطيبة

في كتاب «الأرض الطيبة»، تتمازج كل هذه الطرق ليكون ما فيها، في الواقع، واضحاً لا لبس فيه.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

إن أول من أدخل الشاحنات إلى تل عباس غربي كان سليم متري وأولاده، وخليل إبراهيم فارس، ثم زاكي نجيب فرح وسليم وسالم وساسين بردقان، وفي الآونة الأخيرة اقتنى مطانيوس خليل وإخوته عدداً من الشاحنات...
لعلّ الحديث عن المسار الزراعي هو الأهم لأنّه المؤسس في تلك الحقبة لبقيّة المسارات.
لقد أشير سابقاً إلى كيفية تملك معظم أراضي تل عباس غربي من قبل عائلات بينو خصوصاً عائلة آل عطية وكيفية استقدام الأهالي من قرى متعددة للعمل في هذه الأراضي.
إبان الحكم العثماني وما عرفته منطقة عكار من نفوذٍ إقطاعي شديد القسوة، لم يكن الفرق كبيراً بين العمال والفلاحين والآلات الزراعية.
من تلك الآلات: الصمد، والنير، والنورج، والمسّاس ...
فالصمد مصنوع من الخشب وينتهي بـ«سكة» أي قطعة حديد مثلثة رأسها في التراب وقاعدتها إلى أعلى وملتصقة بالخشب بشكلٍ متين، تعلوها قبضة خشبية يمسك بها الفلاح بيد ويمسك المسّاس الذي كان ينتهي بما يشبه الإبرة، ويستعمل لوخز الثورين اللذين يفصل بينهما الصمد المرتبط بالنير الذي يتألف من قطعة خشبية محفورة من الجانبين بما يلائم رقبتي الثورين وكان كل جانب مخصص لعنق ثورٍ. وكانت تشدّ بطريقة تلزم الثورين، بالتحرك بناءً على تعليمات الفلاح.
وأمّا النورج فهو آلة خشبية متينة مسننة في أسفلها، كانت تربط إلى بغلٍ أو ثورٍ، وكان العامل أو الفلاح يقف على هذا النورج ويأمر البغل أو الثور بجره بطريقة دائرية فوق كومات القمح المحصود بالمنجل، فيقوم النورج بفرط سنابل القمح وتحويل السنابل الفارغة إلى تبنٍ ناعم، لا يلبث أن يذرّى بالمذراة عندما يهب الهواء الذي يحمل التبن إلى مسافة أبعد من مكان سقوط حبات القمح بتأثير جاذبية الأرض.
هذه العملية كانت تتم على البيادر حيث يقوم حالياً مبنى البلدية والنادي، وكانت تستعمل أدوات أخرى كالمعول والمنجل والمجرفة والفرّاعة وشوكة الضرب التي تشكل مع العصا زاوية 90 درجة، والشوكة العادية أو شوكة «الدعس» التي تكون مع العصا على المستوى ذاته، ولا يزال استعمال بعض هذه الأدوات مستمراً حتى يومنا هذا.
كانت هذه العناصر والآلات إضافة إلى الحيوانات والعمال والفلاحين تتشارك في العمل والإنتاج، وكانت تشكل في نظر المالك ورشة واحدة لا تنفصم. وكان صاحب الأرض وعند قسمة الإنتاج، يحسم الكلفة من أصل إنتاج الأرض بعد أن يأخذ العشر، ثم يقسم البقية بينه وبين الفلاح الذي لا يبقى له إلّا نذرٌ قليل لا يكفي لسد قوته وقوت عياله.
إضافة إلى ذلك، كانت الأبقار وإنتاجها من حليب ولبن وقريش وسمن ملكاً لـ«الأفندية» يجمعونها ويأخذونها مجاناً ساعة يشاؤون.
أمّا النسوة فكنّ يلجأن إلى إعارة الحليب لبعضهن بالدور، أي كل أسبوع لواحدة منهن لتتمكن من تأمين مؤونة العائلة من السمن و«القريش»، وهذه الإعارة كانت تعتمد على قياس كمية الحليب بعيدان، (جمع عود) وهي بمثابة سندات الدين، فكانت المرأة المُعيرة تحتفظ بالعيدان حتى الإيفاء الذي كان يتم بالعيدان ذاتها.
في ذلك الوقت لم تكن توجد برادات ولا غيرها من الآلات والأدوات الحديثة، فكان اللبن والقريش والسمن يحفظ تحت «المكبات». و«المكب» سلة كبيرة من العيدان أو القصب، تسمح للهواء بالدخول وتمنع الحيوانات من فئران وقطط وخلافه من الوصول إلى الغذاء.
وكان السمن يحفظ في أوانٍ فخارية تسمى «الدن» والقريش في «الجرار»، أما الزيت ففي«الخوابي الفخارية».
ولاستخراج الزبدة من اللبن، كانت كل امرأة تقتني جرة كبيرة تسمى «الخضة» وهي مصنوعة من فخار، ولها إضافة إلى فتحتها الأصلية فتحة صغيرة في أعلاها لتعرف من خلالها حين تخضّ اللبن ما إذا كانت الزبدة قد انفصلت أم لا.
وهكذا تحصل السيدة على السمن، بينما تلجأ إلى غلي العيران أي ما بقي من اللبن بعد انفصال الزبدة لتصنع منه القريش الذي يحوّل إلى أقراص تجفّف بواسطة أشعة الشمس ثم تخزّن مؤونة للعائلة. والعيران شراب لذيذ الطعم، وكثيراً ما كان يخلط بالقمح المدقوق لصنع أكلة لذيذة تدعى «المتبلة».
أما مياه الشرب فكانت تنقل من بعض الأعين المحاذية للنهر أو من بعض آبار محفورة في القرية كبئر المجبر وبئر خليل فارس وبئر عبود فرح وبئر سليم بردقان، وكان استمدادها يتم بواسطة البكرة والحبل الذي ينتهي بدلو معدني لتوضع من ثم في الجرار الفخارية التي كانت تسحَّر: «أي تترك ليلا في العراء».
لقد كانت هذه الجرار تحفظ المياه باردة خصوصاً في فصل الصيف لأن المياه كانت ترشح إلى الخارج عبر مسامها وتتبخّر ممتصة الحرارة، تاركة البرودة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ النسوة كنّ يقمن بجمع روث الأبقار من الطرقات ويجعلن منه كوماً ويدلكنه بالتبن ثم يلصقنه بالجدران حيث ينشّف متخذاً شكل الأقراص التي تعرف بـ«الجلَّة» التي كانت تستخدم وقوداً للطبخ.
لقد كانت جدران منازل البلدة مملوءة بأقراص «الجلّة»، أمّا أزقتها فكانت موحلة في فصل الشتاء ومغبرة في بقية الفصول.
لقد كانت كل الغلال تجمع على البيادر، واستمرت هذه العادة حتى الستينيات وبداية السبعينيات حيث أصبح كل فلاح يجمع الغلة على سطح منزله، لأن شكل البناء كان قد تبدّل وحل الباطون المسلح محل التراب بشكل شبه كامل.
وكان يوجد قرب كل بيتٍ مزبلة خاصة به.

الصفحات