أنت هنا

قراءة كتاب أنثاه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أنثاه

أنثاه

رواية "أنثاه"؛ مفترق طرق، حينما نتأمل الطرق ونعتمي درباً سلكناه، فسواء كنا فيه نوراً يضاهي شدة ظلام أو بعض رماد لفتات احتراق، فإننا نحتاج دوماً إلى وضوح صورة أن نكون أو لا نكون؛ فالتمسك بأوسط الصور قد لا يسمن ولا يغني من جوع، إما بداية وإما نهاية!

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 8

(3).. ..الشبيه يجذب إليه شبيهه..

بصورة أساسية، ينص قانون الجذب على أن الشبيه يجذب إليه شبيهه![1]
تباً للجاذبية!
أكره كوني أنجذب نحو شخص وكأنه مغناطيس ألتصق بأطرافه خشيةَ ألا أقع، لكنني كثيراً ما أقع حتى أكون حُطاماً! أذكر أنني كنت في ذاك الوقت في بداية العشرين من عمري، رأيته يسلك طريقه إليّ، واثق الخُطى قائلاً بصوت أذابني، حسبتني أسمعه من ذبذبات تخرج من مذياع مُشكلاً لي صوتاً خرافياً، تملكني صوته حقيقة رغم أنه لم يقل شيئاً مفيداً وقتها:
ـ إذا سمحتِ أخبري والدتك بأنه حان موعد تسديد القسط للإيجار وإلّا..
قاطعته وقتها بجراءة، قلت وأنا أنظر إليه: وإلّا ماذا يا سيد فيّاض، ستطردنا يا كريم الأصل والذوق؟ تفاجأ بالطبع، فهي المرة الأولى التي تجمعنا معاً من بعد ما كبرت. لمحته يتأملني وكأنه يحفظ أدق تفاصيلي، لكنني تجاهلته ومضيت إلى الداخل منادية أمي تلقاه بقسط الإيجار... كان شكله لافتاً لأنه رجل جذاب، شعره الممزوج بالبياض أضاف إليه هيبة ملائكية، جسم رياضي، وأناقة فائقة، وآه من عطره كأنه مُخدر، ولا أدري هل لأنه يمزج أنفاسه أم لعبق ريحه تأثير خاص فقط! فأنا أشتمُّه بشدة حينما أثمل به في غفوة حلم يجمعني به وصغار تجمعنا، تجاوزت كثيراً كل الأحلام لأنني في حلمي ذاك أنجبت منه ابنتين أسميتهما كما نُحب يارا وسارا... طفلتاي تشبهان أبيهما تماماً، يارا فقط لها عيني نفسها ودائرة وجهي ذاتها لكنها توحي بشكله أيضاً، أما سارا، تقتلني تلك الصغيرة، تأخذ منه كل شيء أنفه، عينيه، وحِدَّة النظرة، شعره ولونه، إلا أنها تبدو لي قصيرة إلى الآن فقد تأخذ القصر مني!
فياض لم يكن رجلاً عادياً قطّ، فهو يُثير فيّ كل الشعور حتى في غيابه، ولا أظن لأي رجل أن يصل مداه في صقل محبوبته، لنحت حبه على جدار قلب من حرير كان ولم يكن إلّا به ينبض!
من أول مرة رأيته فيها شعرت أنه يشبهني وكثيراً، رأيت فيه صورة مني، يهذي بطريقتي العجيبة، يؤمن بالحزن وضرورة تواجده في الحياة، لكنني بت أخاف عليه فهو دائماً ما يختزن همومه وكأنها كنز لا بد بأن لا يُفقد، أشعر به منهكاً، وجِدَّاً، لكنه يخفي عني كل حقيقته وحينها لا يمكن أن يكون إلّا طفلي المدلل، يغمرني الخوف ويفيض كل حناني رغم مسافات تبعدني عنه حينما يقول لي: أنا مُتعب يا بيلسان صدقيني أنا مُتعب بحق وبالأخص عندما أكون مُتحاملة عليه أو في حالة ثوران جعلني هو به يزيد دلالاً يراوغني بدهاء الرجال المعتاد ويجعلني بدلاً من عاشقة غاضبة إلى أم هلعة تبكي طفلها البعيد عنها وكثيراً! فحبيبي بارع في خلق روح الولع والاشتياق إليه ولو من آخر أطرافي كأن يمتص كل أوكسجينٍ ينبض بخلاياي، وكأنه يُحرم أنفاساً أطلقتها لغيره حتى لو كانت لأجل أن أعيش.. أظنه وجب عليّ العيش له فقط! وأنا وهو، أعتقد أننا نمضي بفكرة تجعلني أشفق علينا وكثيراً، فالناس يمضون مختلفين عنا، يضحكون ويبكون ليس لأن اللحظة أرادت ذلك فقط، بل لأنهم يريدون أيضاً! أما نحن فنبكي ونضحك أحياناً لأن الحياة ترُيد منا ذلك.
أنا وفياض نعيش مُسيرين وبأي طريق نقع فيه يصعُب علينا الرحيل... بدأت أراني معه عُقدة لا تنفك ولا تنحل! التحم بنا سحر الحب! رغم أنني متأكدة أن فياضاً لم يحبني قط أو أنه أحبني قليلاً جداً، هو فقط اتبع سر الجاذبية التي جمعتنا معاً من دون أن نتعمد اللقاء! عرفته بطريقة تختلف عن بدايات القصص، وجدته مختلفاً عن كل الرجال، إلّا أنني استوعبت، وأخيراً فياض كان رجلاً ككل الرجال!
يا معشر النساء أُنصتنَ إليَّ بحذر:
هناك في القلب شأن غرفة كلها عتمة إن بدأت اشتعالاً لا تنتهي! عتمة تطوق بنا إن زار زواياها أي رجل، فلا تأمن إحداكن الحب، فالحب كالبحر، عندما نغرق لا يُمكننا أن ننجو إلّا موتاً، فيا ليتنا بالحب كُنّا رجالاً، ليتنا عندما أحببنا كُنَّا على الأقل بنصف عقل يُملي علينا نوراً ويضيء لنا عندما نتوه بين سراديب العشق المميتة.
أختي نوران قالت لي مرة: بيسو سئمت الروايات لأنها تجعلني أكره الحب أكثر مما أحبه، لأنها أحياناً إما تجعل الحب عظيماً وفي واقعنا عكس ذلك وإما أنها تضعه في عقد لا تنجلي، يكفي أنني أشعر في كل رواية أحاول قراءتها، أنّ الحزن هو سيد كل سطورها وكأن ما من شعور غيره! أكاد أصدق فيما لو كانت الكتب تُباع بتلك الكمية الوافرة من الحزن المبعثر بين الصفحات كنظام يوحد الشعور لدى الشعب بأكمله لكانت آلية الشعور من منبع ركيك السعادة وملتهب بالتعاسة، فالحقيقة أن البشر لا يستهوون إلّا الحزن!
واستدارت نحوي بأكملها وقالت بصوتها الرخيم : بيلسان كُفي عن القراءة والكتابة ولو ليومٍ، واسترسلت وكأنها تداعبني: «أكاد أرى قلبك يرفرف نحو أحدهم، أَأنتِ عاشقة؟!» بربك يا أخيّة أخبريني كيف هو الحب؟ «على الأقل أخبريني ما اسمه!».
آآآه يا نوران، أتريدينني أخبرك عن سر فياض واسمه ذي المعنى الوافر بالعطاء! فهو كريم مع أجمع الناس إلّا أنا يتباخَل عليّ بكل ما احتاجه منه.

الصفحات