رواية (مسافر بلا حلم)؛ صعدا الدرج الحجري الدائري بصمتٍ إلى غرفتهما. أمسك نك يدها لكنها ظلت تتقدمه بخطوةٍ أو اثنتين. شعرت أن لمسة يده منحتها ارتياحاً كبيراً، وهي تحتاج إلى الراحة في هذا الوقت. شعرت أيضاً أنها أقدمت على أفظع شيء في حياتها.
قراءة كتاب مسافر بلا حلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سار نك نحو خزانة الثياب ودفع الباب بقوة ليفتح. اندفعت أنفاسه بقوة من رئتيه ما إن وجد صف السترات والقمصان والفساتين مصنفة حسب النوعية والألوان. لطالما تميزت أديل بطبعها المحب للتنظيم والترتيب. إذا ما وجدت أديل سروالاً رياضياً خشناً بين فساتينها الصيفية، فهذا يجعلها تشعر بالانزعاج. شعر بالارتباك، فثياب أديل موجودة إلاّ أنها هي نفسها غير موجودة. استدار وتوجه مجدداً نحو الدرج، وما إن وصل إلى الرواق حتى سمع الباب الأمامي ينفتح .
تراجعت أديل إلى الوراء مجفلة. أصبح وجهها أحمر كالنار، وظهر عليها الارتباك على غير عادتها. طرأت على ذهن نك فكرة مرعبة: "هل أمضيت الليل كله في الخارج، أديل؟"
تحسّست أديل بأصابعها جريدة الأحد المندسّة تحت ذراعها. وأجابت: " أظن أن هذا ليس من شأنك. أليس كذلك؟"
ليس من ... ؟ كم بدت هذه العبارة سخيفة!
_ أنتِ ما زلتِ زوجتي!
أعادت أديل طي الجريدة ورمقته بنظرة قاسية ومطولة، ثم قالت: "حسناً! يمكننا أن نجد حلاً لهذه المسألة".
شعر نك بشرارات غير طبيعية من الغضب تتصاعد أمام عينيه، وفاجأه أن هذا الأمر ما زال يحصل معه بعد مرور هذا الوقت الطويل. دفعه الغضب إلى الخروج من المنزل. اندفع نحو الحديقة وسار إلى مشغله، ثم أغلق الباب خلفه بعنف.
ليس من شأنه؟! كان عليه أن يبقى ليناقش هذه المسألة، إلاّ أن رجليه تحركتا قبل أن يبدأ ذهنه بالتفكير. لم يعد يشعر بالرغبة في العودة إلى المنزل الآن، على أي حال.
كانت أديل تعمل على الكومبيوتر النقال حين عاد نك . بدا أن توترها ما زال متوهجاً بعد مواجهتهما في الممر. هذه المواجهة هزت كيانها تقريباً. لكنها في نهاية المطاف استطاعت أن تستجمع قوتها. لن يعرف نك مطلقاً أنها كانت على وشك أن تعانقه لتلطف غضبه. حاولت أن تتظاهر أنها ليست واعية لوجوده وهو واقف على مدخل الغرفة الصغيرة التي يستعملانها كغرفة مكتب. أخيراً قالت، من دون أن ترفع بصرها نحوه: "أنا مشغولة، نك".
_ علينا التحدث في وقت من الأوقات.
هزّت أديل كتفيها وحاولت أن تركّز على الكلمات الموجودة على الشاشة. لم تبدُ أية واحدة منها مفهومة على الإطلاق. قرأت الجملة ثلاث مرات، ثم استسلمت: "حسناً! لنتحدث".
استدارت في كرسيها وشبكت ذراعيها، ثم قالت: "أنا جاهزة للإجابة عن أسئلتك".
هز نك رأسه، ثم قال: "لن ينجح الأمر بهذه الطريقة. دعينا نذهب إلى منطقة محايدة. ما رأيك لو دعوتك إلى الغداء؟"
لطالما أحبت أديل أن تمضي أيام آحاد طويلة وعابثة وهي تتناول الغداء مع نك. كانا يجلسان خارجاً في حديقة المطعم صيفاً. ويجتمعان قرب النار في الداخل شتاءً. لم تشأ أن يذكرها بتلك الأيام السعيدة، لكنه محق. عليهما أن يتكلما في وقت ما، ولا يمكنها أن تتهرّب من الموضوع.
_ حسناً! لكن على حسابك.
_ بالطبع!
***
_ ما الأمر إذاً، نك؟
جلسا ولم يتكلما في صلب الموضوع طوال فترة تناولهما وجبتهما. لم تعرف أديل إن كان هذا أمراً جيداً أم لا. ما عرفته هو أن البدء بالحديث متروك لها، وأن عليها القيام بذلك بطريقة أو بأخرى. أصبحت دقّات قلبها غير مستقرة حين فكّرت بكلمة الطلاق التي قد تصدر من فمه في أية لحظة. من الغرابة أنها الكلمة الأخيرة التي أرادت سماعها، بالرغم من أنها الكلمة التي احتلت تفكيرها منذ الصيف الماضي.
أجاب نك وهو يعبث بالبطاطا في صحنه: "ستبلغ أمي عامها الخامس والستين هذه السنة".
هزت أديل رأسها وقالت: "أعرف".