رواية (مسافر بلا حلم)؛ صعدا الدرج الحجري الدائري بصمتٍ إلى غرفتهما. أمسك نك يدها لكنها ظلت تتقدمه بخطوةٍ أو اثنتين. شعرت أن لمسة يده منحتها ارتياحاً كبيراً، وهي تحتاج إلى الراحة في هذا الوقت. شعرت أيضاً أنها أقدمت على أفظع شيء في حياتها.
قراءة كتاب مسافر بلا حلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تمايل الصحن أمام عيني أديل، وشعرت بذلك الاحساس البغيض؛ ها قد فعلها ثانية وتهرب من مواجهة وضع صعب، تاركاً لسواه معالجة الأمور. لا يمكن أن يكون نك جدي في ما يقوله. عبّرت تلك الابتسامة المغرورة الملتوية عنه تماماً. لطالما لجأ إلى ابتسامته تلك حين يعرف أنه فعل شيئاً يثير غضبها. استجمعت أديل قواها كي لا تحمل الصحن وتسكب مكوناته على رأسه، مع كل ما يحتويه من صلصة اللحم وغيرها. شعرت أنها تستحق ميدالية لتمكنها من الوقوف والمشي بصلابة إلى خارج المطعم بصورة عفوية من دون أن تنهار. سحبت نفساً من هواء الشتاء ملأت به رئتيها آملة أن تهدأ أعصابها قبل أن يلحق بها نك. إنها لا تريد أن تفتعل شجاراً غاضباً في موقف السيارات في بارتريدج. ما حصل الآن هو مثال نموذجي عن تصرفات نك! لِمَ سمحت له حتى بأن يفتح فمه أساساً؟ عرفت مسبقاً أن هذا الحديث لن يجدي أي نفع، ورغم ذلك رافقته طوال الطريق كأي تلميذة من الصف الأول.
رأت أديل لمحة من سترة جلدية بنية اللون من زاوية عينها، فعرفت أن نك نجح في دفع الفاتورة واللحاق بها. حسناً! إنها ليست مستعدة للتحدث معه الآن. من حسن الحظ أنهما قررا أن يمشيا نزولاً على الطريق لتناول الغداء في أقرب مطعم، ما يعني أنهما يحتاجان إلى عشر دقائق للوصول إلى المنزل. أصغت إلى الإيقاع المتقطّع لجزمتيها على الرصيف فيما مشت بتشامخ وغضب باتجاه المنزل، ستصل إليه في غضون ثمانِ دقائق إذا استمرت في السير بهذه السرعة.
استطاع نك أن يرى أديل تمشي متشامخة من موقف السيارات فتبعها. أراد حقاً أن يعدو بأقصى سرعته، إلاّ أن صوتاً خفيفاً داخل رأسه نبهه أن من الأفضل له أن يترك زوجته تهدأ قليلاً، فتقبل الأمر ومشى خلفها ببطء. يا إلهي! بإمكانها أن تمشي سريعاً حين تنطلق بهذا الشكل. مضت دقيقة تقريباً قبل أن ينجح في الوصول إلى مسافة مقبولة ليستطيعا التحدث.
_ أديل!
لم تستدر أديل حتى، بل رفعت يداً باتجاهه وحسب، فالأجزاء الأخرى من جسدها لم تكن تستجيب على الأرجح.
_ هيا، أديل! أرجوك؟
كان عليها أن تتوقف في تلك اللحظة لتقطع الطريق، فاستطاع أن يصل إليها.
بدأ نك بفتح فمه، فحذرته أديل قائلة: "لا تفعل! لا تفعل فحسب".
فأقفل فمه مجدداً.
_ استطعت حقاً أن تتغلب على نفسك ، نك. لا أصدق أنك ظهرت هنا بعد تسعة أشهر من انقطاع الاتصال معك لتدعوني إلى حفلة عيد ميلاد.
ضحكت أديل وهزّت رأسها قبل أن تضيف: "هذا مستوى جديد من عدم الاحساس، حتى بالنسبة لك".
مهلاً لحظة! كم من المرّات اتصل فيها نك وحاول الاعتذار بعد رحيله؟ كم من المرّات أقفلت بعنف المجيب الآلي قبل أن يتمكن من التلفظ بكلمة واحدة؟ إن لم يتمكنا من التواصل لمدة تسعة أشهر، فالسبب يعود أكثر لأديل منه لنك. لقد حاول على الأقل. في نهاية المطاف، استسلم وحقق لها ما تريده، فتركها وشأنها . فهل تلومه على ذلك؟
_ حسنا! ربما أنت تملكين كل الأجوبة أديل، إلاّ أنني لا أملك واحداً.
تراجعت أديل عن الحاجز الحجري عند حافة الطريق ونظرت إليه، ثم قالت: "ماذا تعني بهذا؟"
_ ما أعنيه هو أنني أنا نفسي لست واثقاً مما يجري بيننا. ما هو وضعنا؟ هل انفصلنا، أم أن تلك كانت فترة تهدئة طويلة بعد الشجار؟ إذا كنت أنا نفسي لا أعرف الجواب، كيف يفترض بي أن أعرف ماذا يجري في رأسك الصغير المنظم الذكي.
هزّت أديل رأسها وقطعت الطريق. كان على نك أن ينتظر مرور سيارتين قبل أن يلحق بها ثانية. لن يقف مكتوف اليدين بانتظار أن تطلعه على أحدث الأخبار. لقد انتظر تسعة أشهر وسيعرف الأجوبة الآن.
_ ماذا قلتِ إذاً للناس، أديل؟ ما هي القصة التي أخبرتها لهم؟
صمت نك، فهو يعرف ما الذي قالته بالضبط لأصدقائها. لا بد أن منى حصلت على كل تفصيل، وما من شك أن نك هو الوغد الشرير في نظرها فيما أديل هي الطاهرة النقية. مشى خلفها صامتاً. عليه أن يصغي إلى غريزته التي يثق بها، فيدرك أن أديل ليست في مزاج مؤاتٍ حتى لتفسيرات منطقية. كل ما سيقوله نك سيزيد الأمر سوءاً وهي في هذه الحالة.
انتظرها لتقفل الباب الأمامي، وقد بدت شرارات التوتر المتطايرة منها ملموسة تقريباً.
قالت أديل بعد أن مشت تاركةً الباب مفتوحاً: "سأصعد إلى الطابق العلوي".