كتاب " عبق الريحان في علوم القرآن " ، تأليف د. نوح الفقير ، والذي صدر عن دار المأمون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب عبق الريحان في علوم القرآن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عبق الريحان في علوم القرآن
والظاهر أن لفظ القرآن مهموز، مشتق من قرأ، ومنه قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}(13)، فهو مصدر مرادف للقراءة إذ هي: ضم الحروف والكلمات بعضها الى بعض في الترتيل، والقرآن مقروء مضموم، وعلى هذا يكون من باب تسمية المفعول بالمصدر، وخص بالكتاب المنزل فصار كالعلم الشخصي له، وقد يكون لفظ القرآن مصدراً استعمل بمعنى اسم الفاعل، فيكون القرآن بالاستعمالين السابقين مجموعاً وجامعاً، أما كونه مجموعاً فلأنه مجموع السور والآيات، أو مجموع المعاني السامية، والحقائق العظيمة، والحلول المحكمة لكل مشكلات الانسانية، وصنوف الخير والبر والعدالة، أو لأن الحفظة يحفظونه فهو مجموع(14)، وأما كونه جامعاً فلأنه جامع لثمرة الكتب، بل لجمعه ثمرة العلوم، كما أشار الى ذلك قوله تعالى: {تبياناً لكل شيء}(15).
أما ما روي عن الامام الشافعي من كون القرآن غير مهموز فصحيح، إذ هي قراءة صحيحة، قرأ بها قارىء مكة ابن كثير(16)، واختار السيوطي(17) هذا الرأي، إذ قال: (والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي) انتهى.
أقول: الظاهر أن القولين في اللغة سواء، ولكن المهموز أشهر وأكثر.
القران اصطلاحا:القرآن الكريم كلام الله تعالى، وكلام الله مع مغايرته لكلام البشر يبقى ضرباً من الكلام، والكلام مصطلح له عند العلماء اطلاقات، وفيه اختلافات، ومن ثمّ غاير تعريف المتكلمين للقرآن تعريف الفقهاء والاصوليين وعلماء العربية، فانقسموا الى قسمين أساسيين، وقبل الحديث عن تينك القسمين يجدر بنا أن نقف على إطلاقات مصطلح الكلام، إذ يُراد بالكلام البشري شيئان:
الاول : المعنى المصدري وهو التكلم.
والثاني : المعنى الحاصل بالمصدر وهو المتكلم به، قال الزرقاني (18):
وكل من هذين المعنيين لفظي ونفسي، فالكلام البشري اللفظي بالمعنى المصدري: هو تحريك الانسان للسانه وما يساعده في إخراج الحروف من المخارج، والكلام اللفظي الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات المنطوقة، التي هي كيفية في الصوت الحسي، وكلا هذين ظاهر لا يحتاج الى توضيح.
وأما الكلام النفسي بالمعنى المصدري فهو تحضير الانسان في نفسه بقوته المتكلمة الباطنة للكلمات التي لم تبرز الى الجوارح، فيتكلم بكلمات متخيلة يرتبها في الذهن بحيث اذا تلفظ بها بصوت حسي كانت طبق كلماته اللفظية.
والكلام النفسي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات النفسية والالفاظ الذهنية المترتبة ترتباً ذهنياً منطبقاً عليه الترتب الخارجي.
ومن الكلام البشري النفسي بنوعية قوله تعالى: {فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكاناً}(19) اذ هو كلام نفسي وسماه الله تعالى قولاً.
ولا يخفى أن مصطلح الكلام واحد، وإن اختلف المتكلم، فالقرآن كلام الله، قد يطلق ويراد به الكلام النفسي، وقد يطلق ويراد به الكلام اللفظي، والذين يطلقونه اطلاق الكلام النفسي هم المتكلمون، وأما الذين يطلقونه اطلاق الكلام اللفظي فالاصوليون والفقهاء وعلماء العربية وهو الذي يعنينا في هذا المجال، وهؤلاء لما رأوا أنه يتعذر تحديد القرآن الكريم بالتعاريف المنطقية بحيث يكون تعريفه حداً حقيقياً، جامعاً مانعاً عرّفوه بما يقرب معناه الى الاذهان، وبما يميزه عن غيره، فقالوا: القرآن الكريم هو:
(كلام الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته، المنقول تواتراً).
محترزات القيود
الكلام : جنس يشمل كل كلام، واضافته الى الله تخرج كلام غيره من الانس والجن والملائكة وغير ذلك.(20)
المنزل : خرج به الكلام الذي استأثر الله بعلمه، أو الذي أوحاه الى ملائكته، وقد قال سبحانه: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}(21).
على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: قيد خرج به الكلام المنزل على رسل الله من قبل، كالتوراة والانجيل.
المتعبد بتلاوته : خرج به الأحاديث القدسية فانه لا تصح الصلاة بقراءَته فيها.
المنقول تواتراً : يخرج به القراءات غير المتواترة، ومنسوخ التلاوة، فان خرجا بالقيد السابق، كان هذا القيد زيادة في البيان والايضاح، ومثله زيادة (المعجز والمبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس)، وغير ذلك مما يزاد قصد تجلية المعنى وايضاحه.