كتاب " فلسطين والفلسطينيون " ، تأليف د. عصام سخنيني ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب فلسطين والفلسطينيون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلسطين والفلسطينيون
مقدمة
ليس هذا الكتاب تاريخا لفلسطين وإن كان في التاريخ الفلسطيني: في جانب منه واحد· فما يسعى إليه الكتاب هو الإجابة عن سؤال محدد هو كيف تكونت فلسطين اسما ووطنا وشعبا وهوية؟ وربما بأسلوب آخر، إنه بحث في عملية انبثاق هذا الوجود الجغرافي/ السكاني/ السياسي الذي يحمل اسم فلسطين، وتحققه كائنا ماديا ماثلا في الزمان والمكان، واكتسابه الماهية التي هو عليها· وهذه العملية هي ما اصطلحنا عليها بالتكوين، بمعنى محدد هنا هو صيرورة التخليق، بعواملها وعناصرها كافة، التي نتج عنها في النهاية الوجود الفلسطيني·
والتكوين ـ بهذا المعنى ـ نراه مستكملا في خمس موضوعات ذات قربى ولا انفصال فيما بينها، أو هي أوجه خمسة لجوهر واحد كما يلي:
الموضوعة الأولى اسم فلسطين نفسه ـ بدءا من جذوره التاريخية ومرورا بالتنويعات اللفظية المختلفة التي طرأت على الأصل ـ ليس فقط من حيث وظيفته التعريفية أو العَلَمية (بفتح متوال للعين واللام)، بل ـ أكثر من ذلك وأعمق ـ من حيث ما تفرضه حقيقة ديمومة الاسم في التاريخ، وعلى مدى قرون ودون انقطاع، من دلالات سياسية·
والثانية عملية تكون الحيز المكاني الذي جُعلت فلسطين في إطاره والتحولات التي طرأت عليه والعوامل التي صنعته إلى أن كان في حدوده الجغرافية/السياسية المعروفة·
والثالثة تَشَكُّل هوية هذا الحيز الدالة عليه والمميزة له بكل مضامينها الوطنية والقومية·
والرابعة نشوء مفهوم الشعب الفلسطيني وتطور هذا المفهوم ومعنى المواطنة·
والخامسة ـ وهي مشتقة من السابقة ـ مسألة تمثيل الشعب، والمؤسسات والهياكل التي تجسدت فيها هذه المسألة، لما لها من دلالة على وحدته وكيانه المستقل·
والموضوعات الخمس هذه هي فصول الكتاب الخمسة في هذا الكتاب·
وقد حتم البحث عن الجذور العودة إلى تاريخ مغرق في القدم: إلى الزمن الكنعاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد للكشف عن مكونات الهوية الأولى، وإلى القرون القليلة التي تلته مباشرة لكي تتبدى بدايات نشوء الاسم، بما يحمله من دلالات، ولمتابعة تطوره إلى أن استقر في صيغة فلسطين· وأيضا كانت العودة إلى التاريخ القديم ضرورية لتتبع مراحل التأصيل العربي للهوية الفلسطينية·
كذلك فإن التاريخ الحديث يقع ضمن الإطار الزمني لهذا الكتاب· فالحرب العالمية الأولى والسنوات القليلة التي أعقبتها بما تمخضت عنه من نتائج سياسية كانت حاسمة في رسم الخريطة الجغرافية/ السياسية لفلسطين· ومثلها كذلك كان الانتداب البريطاني حتى العام 8 4 9 1 الذي قاومه الفلسطينيون وواجهوا سياستَه الصهيونية ـ إلى جانب أساليب المواجهة الأخرى ـ بفعل الالتزام بمفهوم الشعب وبتعميق هويته الوطنية والقومية· ونرى أن هذه المرحلة من تاريخ فلسطين الممتدة من الحرب العالمية الأولى إلى نهاية عهد الانتداب البريطاني هي التي شهدت صيرورة التكوين الفلسطيني وهي تصل إلى غايتها بتكامل موضوعات التكوين الأساسية الأربع: الاسم، والإقليم الجغرافي، والشعب (ومسألة التمثيل المنبثقة من مفهومه)، والهوية· وهذا ما جعلنا نتوقف في البحث عند نهاية هذه المرحلة إذ كل ما جاء من بعدها إنما هو امتداد لمعطياتها·
ونشير هنا في هذه المقدمة إلى أننا في إطلالتنا على تاريخ فلسطين القديم لتتبع نشوء بدايات التكوين الفلسطيني جهدنا أن نحرر هذا التاريخ من أسر التفسير التوراتي ذاهبين في ذلك مذهب مدرسة ظهرت حديثا (منذ ثمانينات القرن الماضي ونشير إلى بعض أعلامها في ثنايا الفصل الأول) أخذت تؤصل البحث في التاريخ الفلسطيني القديم على الحقائق التي تكشفها الوثائق المشرقية القديمة ومعطيات علمي الآثار وتطور المناخ، متخلصة بذلك من سطوة التوراة التي عدت إلى ما قبل سنوات قليلة مصدرا أساسيا لدراسة هذا التاريخ، بعد أن تأكد لهذه المدرسة أن الحكايات التوراتية عن تاريخ فلسطين ليست إلا تلفيقات، لم يحسن واضعوها صنعها، من الأساطير الخرافية والتمنيات الكهنوتية عن ماض مخترع ومشتهى ليس من الصعب اكتشاف زيفها إن وضعت على محك النقد التاريخي الجاد· وبذلك نرانا نسهم (بهذا الفصل تحديدا) في جهود هذه المدرسة الرامية إلى كتابة تاريخ مستقل لفلسطين بعد أن زور هذا التاريخ طويلا·
وفي غير هذا الفصل، في الفصول المتصلة بالتاريخ الحديث، أكثرنا من الاعتماد على ما يعرف بالمصادر الأولية (الوثائق الأصلية والمجموعات الوثائقية واليوميات والمذكرات) فهي أساس البحث التاريخي، دون أن تقعدنا تلك عن طلب المعلومات في المراجع الأخرى العربية منها والأجنبية·
وقد أدخلنا في ثنايا الكتاب ثماني خرائط وجدناها ضرورية لتوضيح المتون وقد أشير إلى مواضعها في قائمة المحتويات· كذلك ختمنا الكتاب بفهرسين الأول للأعلام والثاني للهيئات· وقد اتبعنا في الأول أسلوبا استحدثناه بأن نعرف الأسماء باختصار كما كانت في التاريخ المعين في المتن، لتكون فائدة هذا الفهرس أعم وأشمل·
وأخيرا يود المؤلف أن يتقدم بعظيم الامتنان إلى جامعة البترا في عمان لدعمها السخي الذي قدمته لنشر هذا الكتاب، وذلك في إطار خططها لدعم البحث العلمي بعامة وجهود أعضاء هيئتها التدريسية في هذا المجال بخاصة·