أنت هنا

قراءة كتاب الثورة الفرنسية وروح الثورات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة الفرنسية وروح الثورات

الثورة الفرنسية وروح الثورات

كتاب "الثورة الفرنسية وروح الثورات"، يقول المؤلف في مقدمة كتابه: لم أضع هذا الكتاب لأمدح الثورة الفرنسية أو لأذمَّها، بل لأفسرها بما ذكرته من السنن النفسية في كتاب «الآراء والمعتقدات».

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

(3) قيمة ثورة الإصلاح الديني العقلية

قلبت ثورة الإصلاح الديني أوربة، وكادت تدمِّر فرنسة بتحويلها إياها مدة خمسين سنة إلى ساحة حرب، وما أتته من النتائج العظيمة لم تأتِ مثله أية حادثة تعدِلها من حيث قلة قيمتها العقلية.
والأدلة على أن المعتقدات تنتشر بعيدة من العقل كثيرة، وما أقام النفوس وأقعدها من المذاهب اللاهوتية أيام ثورة الإصلاح الديني، ولا سيما مذهب كالڤن، لا يستحق أن يبحث عنه من جهة المنطق العقلي.
فلوثر الذي همه أمر سعادته الأبدية وخاف من الشيطان خوفًا لم يقدر كاهنه على إزالته كان يبحث عن أقوى الوسائل التي يُرضي بها الله ليتقي جحيمه، وبعد أن شرع في إنكار حق البابا في بيع المغفرة رفض ما له ولكنيسته من السلطان رفضًا تامًّا، وأنحى باللائمة على الطقوس الدينية والاعتراف وعبادة القديسين وصرَّح بأنه لا يجوز للنصارى أن يتبعوا غير ما جاء في الكتاب المقدس، ثم قال إن النجاة الأبدية لا تكون إلا بفضل الله وكرمه، ولم يحدد لوثر «نظرية المشيئة الأزلية» هذه تحديدًا تامًا، وقد عرَّفها كالڤن بأوضح من ذلك فجعلها أساس مذهب لا يزال أكثر الپروتستان تابعين له، فعند كالڤن «أن الله اختار من الأزل أناسًا للنار وآخرين للجنة» كان جوابه وقتما سئل عن علة هذا الظلم «أن الله أراد ذلك»، وهكذا رأى كالڤن، الذي لم يفعل سوى إيضاح زعم القديس أوغوستن، أن الله القادر على كل شيء يُعْنَى بخلق أناس ليكونوا خالدين في النار غير مبال بأفعالهم وفضائلهم، ومما يستوقف النظر أن تستولي هذه الغباوة الفكرية على النفوس زمنًا طويلًا، وأن تظل مستحْوذة على كثير من الناس حتى الآن.
وهنالك شبه بين نفسية كالڤن وروبسپير، فكان الأول كالثاني أستاذًا غير متردد في قتل من لم يكن على مذهبه، وكان يقول: «إن الله يريد أن تُطرح الرأفة والإنسانية جانبًا عند الجهاد في سبيله».
ونستدل من حالة كالڤن وأنصاره على أن المتناقضات تلتئم في أدمغة المؤمنين، فيستحيل من حيث المنطق العقلي أن نثبت أخلاق على مبدأ «المشيئة الأزلية» القائل إن بعض الناس ناجون وبعضهم معذبون، مهما كانت أفعالهم، ومع ذلك لم يَلْقَ كالڤن صعوبة في إبداع أخلاق قوية قائمة على أساس غير منطقي.

(4) انتشار الإصلاح الديني

لم ينتشر هذا الإيمان بالخطب والبراهين العقلية، بل بالعناصر التي بحثنا عنها في كتابنا السابق، أي بالتوكيد والتكرار والعدوى النفسية والنفوذ، وقد انتشرت الأفكار الثورية بعد ذلك في فرنسة على هذه الطريقة أيضًا.
وساعد الاضطهاد على هذا الانتشار، إذ نشأ عن كل حادثة قتل دخول أناس في المذهب الجديد، فلما سيقَ القاضي المحكوم عليه بالإحراق، إندنبرغ، إلى النار سار إليها وهو يحث الجماعة على اعتناق مذهبه، وقد قال أحد الرواة إن عدد الپروتستان زاد بين طلاب المدارس بفعل جلده وصبره أكثر مما بكتب كالڤن.
وكانوا يقطعون ألسنة المحكوم عليهم بالإحراق خوفًا من أن يخاطبوا القوم، وقد زاد التعذيبَ هولًا تقييدُ الضحايا بسلاسل من حديد؛ لإدخالهم في النار وإخراجهم منها مرات كثيرة.
كل ذلك لم يثن الپروتستانت عن مذهبهم الجديد مع أنهم كانوا يوعدون بالعفو بعد أن تمسهم النار.
ولما عدل فرنسوا الأول عن تسامحه سنة 1535 أمر بإضرام الوقيد في ستة مواقد في باريس، وقد اكتفى رجال العهد بمقصلة واحدة فيها كما هو معلوم، وقد ظهر أن العذاب لم يكن أليمًا عند المؤمنين، حتى إنه شوهد قبل ذلك عدم شعور شهداء المسيحية بالعذاب لتنويمه إياهم، ومن المسائل المعروفة في الوقت الحاضر أن بعض طرق التنويم تبطل الحس تمامًا. والخلاصة: أن انتشار ذلك المذهب كان سريعًا، ففي سنة 1560 أُصلحت ألفا كنيسة في فرنسة وانتحله كثير من الأمراء الذين كانوا لا يبالون به إلا قليلًا في بدء الأمر.

الصفحات