أنت هنا

قراءة كتاب الثورة الفرنسية وروح الثورات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة الفرنسية وروح الثورات

الثورة الفرنسية وروح الثورات

كتاب "الثورة الفرنسية وروح الثورات"، يقول المؤلف في مقدمة كتابه: لم أضع هذا الكتاب لأمدح الثورة الفرنسية أو لأذمَّها، بل لأفسرها بما ذكرته من السنن النفسية في كتاب «الآراء والمعتقدات».

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 7

(4) نتائج الثورات السياسية

بعدما يتم النصر لحزب ينظم هذا الحزب المجتمع كما تقتضيه مصالحه، فيسن القوانين، ويضع الأنظمة على حسب منافعه ومنافع الطبقات التي ساعدته على الغلبة، كطبقة الإكليروس مثلًا، وإذا تم النصر للغالبين بعد مصارعات عنيفة، كما وقع أيام الثورة الفرنسية، فإنهم يقوضون دعائم الحقوق القديمة مع اضطهادهم أنصار النظام الساقط وإخراجهم من ديارهم وإبادتهم.
ويبلغ التعذيب غايته حينما يدافع الحزب الغالب عن معتقد، عدا دفاعه عن منافعه المادية، فلا يعامل الحزب المغلوب بالرحمة، بل يطرده من البلاد كما طُرد العرب من الأندلس، ويقضي عليه كما قضت محكمة التفتيش على الخوارج بالإحراق، ويمعن في قتله كما حدث في دور العهد، ويسن القوانين ضده كالقوانين الحديثة التي وضعت ضد اليسوعيين.
وقد يتمادى الغالب في الظلم فيأمر أن يقوم الورق مقام الذهب، وأن تباع السلع بأثمان بعينها كما يهوى، إلا أنه لا يلبث أن تصدمه الضرورات التي تحوِّل الرأي العام ضد استبداده، وذلك كما حدث في أواخر الثورة الفرنسية، وكما وقع لوزارة اشتراكية أسترالية مؤلفة من العمال، فقد وضعت هذه الوزارة قوانين عقيمة ومنحت المنتسبين إلى النقابات امتيازات كثيرة فسخط الرأي العام عليها فسقطت في ثلاثة أشهر.
والأحوال المذكورة استثنائية، فأكثر الثورات قد وقع ليجلس على العرش ملك جديد، فليعلمْ هذا الملك أن استمرار حكمه لا يكون بتفضيله طبقة على أخرى، بل باستمالته الطبقات كلها إليه، وهو لا ينال ذلك إلا إذا وازنها موازنة مانعة من تغلب إحداها عليه، فإذا ساعد على تفوق طبقة دون أخرى لم تلبث هذه الطبقة أن تصبح سيدته، وهذه سُنَّةٌ من أصح سنن السياسة، وقد علمها ملوك فرنسة عندما كانوا يكافحون تطاول الأشراف في البداءة ثم الإكليروس من بعدهم، ولولا ذلك لكان نصيبهم مثل نصيب أباطرة الألمان في القرون الوسطى حين كانوا يضطرون ـ كما فعل الإمبراطور هنري الرابع ـ إلى زيارة البابوات ليطلبوا العفو عنهم بتذلل.
وقد ثبتت صحة هذه السُّنَّةِ في جميع أدوار التاريخ، فلما تفوقت طبقة الجند في أواخر الدولة الرومانية أصبح الأباطرة تحت إمرة جنودهم فصار هؤلاء يرفعونهم على العرش أو يخلعونهم كما يشتهون.
إذن، إن من حسن حظ فرنسة أن ظل على رأسها زمنًا طويلًا ملوك مطلقون مدعون أن سلطانهم مستمد من الله، فلولا ذلك ما استطاعوا أن يقبضوا على زمام الأشراف والإكليروس والبرلمان معًا، ولو كان على رأس پولونية في أواخر القرن السادس عشر ملوك مطلقون محترمون مثل ملوك فرنسة ما هبطت إلى منحدر الانقراض الذي أوجب محوها من خريطة أوربة.
بينا في هذا الفصل أنه يمكن أن ينشأ عن الثورات السياسية انقلابات اجتماعية عظيمة الشأن، وسنرى أن هذه الانقلابات تظهر ضعيفة عندما تقاس بالانقلابات التي تنشأ عن الثورة الدينية.

الصفحات