أنت هنا

قراءة كتاب خوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خوف

خوف

 لست أندم على أنّ مجموعتي لم ترَ النور قبل الثورة ...لقد كتبتُ أولى فصول الخوف حتى جاءت تباشير النصر وأنفاس الحرية ... 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
أدركت أن في المسألة تهميشا ولعبا علي النّحاة وتصالحا مع الزّنبور والعقرب، كيف فاتني أن أعلم ـ والعلم كلّه للزّنابير المعشّشة في خلايا مخيّخي وللعقارب ـ أنّ المسألة لمّا طرحت في بلاط بغداد طرحت محرّفة، وأنّ البرمكي أو الرّشيد ما جمع النحّاة علي حقيقة لسع الزّنبور والعقرب وإنّما علي حقيقة هي قابلة للنظر أيّ اللّسعتين أحدُّ، وقد يكونُ من حرّف المسألة هم النحّاة، وقد تكون المسألة خرجت من بغداد محرّفة بعد أن دخلها الزّنبور! لكن هذا الذي صاغ المسألة وصار بها واثقا من صدق حدسه، كيف نجا من سمّ العقرب حتي يجرّب لسعة الزّنبور؟ على جسم كهذا الجسْم أن يكون قابلا للتسمّم حتى معه السمّ يعيش وعليه يتفوّق أو على جسم كذاك أن يكون مقاوما، صلبا، غليظ العود، جلدا يكابدُ ألوان السّموم ويري عذابات الموت ويحيا. لكن الجسم نفسه لا يمكن أبدًا أن يكون صافياً عذباً ناعماً فهو عندئذ يكون قد هلك بأيّة لدغة عقربيّة أو بأيةّ لدغة زنبوريّة.
 
حملت معي لسعاتي وأورامي وفي كل ورم مكوّر من اللّسع سكن سؤال، وقلت أذهب إلي الحلقتين عساني أتداوى. كنت كلّما دخلت حلقة اعترضني سدنتها بالزّجر والطرد وقالوا: لا ينتسب إلينا من يجمع العلمين جمع محبّ خدين، ولا يكون منّا من يدّعي أنّه يبحث عن أشياء إن تُبْد له تسُؤْهُ. طُردتُ من الحلقتين وصرتُ خارج الإجماع. لم يكن أمامي غير أن أعود إلي بيتي فالزّنابير صارت تملأ عليّ الأفق، والطريقُ عبّدتْه العقاربُ، وربّما كانت زنابير بيتي أوْلي بلحمتي الحيّة وعقاربة أوْلي بلحمتي الميّتة. قلتُ: لماذا لا أطرحُ أسئلتي على هذه الكائنات فإن متُّ غسلني برد من اليقين.
 
حملتُ أسئلتي ودخلتُ علي الزّنابير والعقارب، كانت كلّما لدغتني خرج إليها سؤال ممّا كان ثاويا في أورامي، لكنها كانت تجيب. قالت إنّها دخلت في ماض سحيق بلاط بغداد حين نُصحتْ به وحين خبروها أنّه لا ينفع تعطّشها للأكل والنّهش غير هذا البلاط، وقالت إنّها لمّا دخلت دعا الرّشيد وزيره جعفر البرمكيّ، فعوض أن يجمع حكماء ييسّرون لنا النّهْش وعلى صاحب القصر العيش، جمع البرمكيّ نحاة. قال لهم عليّ بن أبي طالب أو زيادٌ بن أبيه ـ اُنحوا هذا النحو فنحوه) وعوض أن يطرح عليهم المسألتين معا، الزّنبورية والعقربيّة، طرح عليهم الزّنبورية وحسب، وعوض أن يتناقشوا في اللّدغ واللّسع وآثاره، تناقشوا في أثر المسألة في صحّة الوجه أو الوجهين، وهكذا خرجت المسالة محرّفة إلي علماء محرّفين فخرجوا من بغداد إلي الكوفة والبصرة وفارس وبقينا نحن الزّنابير والعقارب هناك في البلاط وهكذا انتصر النّهش فعشنا وتكاثرنا وكلّما نهشنا ولسعنا يدبُّ فيمن ننهش الخلاف، فعوض أن يضرب بقوّة من نهشه يضرب من كان قبالته ولذلك سمعت عن خلاف بين الرّشيد والبرامكة وعن خلاف بين سيبويه والكسائي وغير ذلك من الخلافات التي هي من مثارات اللّسع علي رؤوسكم.

الصفحات