أنت هنا

قراءة كتاب خوف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خوف

خوف

 لست أندم على أنّ مجموعتي لم ترَ النور قبل الثورة ...لقد كتبتُ أولى فصول الخوف حتى جاءت تباشير النصر وأنفاس الحرية ... 

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
مرّ دهر قبل أن أسمع خطوات متوجّسة تقترب من مكمني ..تجمّدت فلم أطمئنّ؛ تكوّمت على نفسي وخبّأت رأسي بين ذراعيّ وذراعيّ بين فخذيّ واستندت إلى الحائط.. كانت الرائحة رطبة عفنة والخطوات تقترب أكثر فـأكثر جاءني ما يشبه الأمل أنّ المتحرّك نحوي كائنا من كان سيحسبني صندوقا للقمامة، أو برميلا، أو حتّى جزءًا من محرّك سيّارة فقد وظيفته. المهمّ أن لا يحسبني بشرًا! فإن شكّ فيّ فلن أكون بهذه الحال إلاّ كتلة من اللّحم وكفى. اصطدمت بي كتلة من اللّحم أضخم منّي وسقطت، ارتميت عليها، أحكمت يدي على رقبتها وضغطت بكامل قوّتي وصرخت: عليك أن تعترف بأنّك المجرم المطارد، أنت المجرم، اعترف .. جاءتني حشرجة من الكلام.. خفت أن أقتله فأصير المجرم. أبعدت يديّ عن طوق رقبته، ولكنّي أمعنت في الضغط عليه من مكان آخر ضعيف.. قال: لست أنا المجرم ..هناك شخص آخر يختبئ في الجهة الأخرى من هذا السرداب علينا أن نجده.. قلت: وماذا جئت تفعل هنا؟ قال: كنت في الشرفة حين رأيته يدخل مختبئا... فتبعته، فوقعت في شرك الحصار.. قلت: أتحاصر الشرطة المكان؟ قال: أجل.. همست وما الحلّ؟ قال: علينا أن نمسكه ونسلّمه إلى الدّرك قبل أن يتّهموننا ويبرؤوه. سرنا سويّة بحذر ونحن ننوي الإيقاع بالمجرم الحقيقيّ.. وفي نقطة ما ارتطمنا بأجسام متكوّرة، قبضوا علينا، وكادوا يزهقون أرواحنا، وقالوا إننا المجرمان. ولولا أنّهم تعرّفوا علينا لقتلونا أو لاقتادونا إلى الدرك الذي يحاصر العمارة.. هل يصدّق هذا؟ كلّ سكّان العمارة في دهليزها، والكلّ جاء خطأ وراء مجرم ما؟ لكن أين المجرم الذي يبحث عنه العسكر المطوّقون لسكّان العمارة..؟ ربّما اختلط بنا.. أحدنا هو المجرم والبقيّة أبرياء .. ولكن كيف يمكن أن نعرفه؟ ظللنا نجوس في دهاليز سرداب العمارة والرّوائح النتنة تنبعث من كلّ مكان وفي كلّ مرّة نجد أجسامًا جديدة مكوّمة تنكر أنّها المجرم وتزعم أنّها من سكّان العمارة..
 
طال بنا المقام وانقسمنا إلى جماعات.. لم تسكن نفسي إلاّ لرجل في الخمسين بدا الأقدر على تجرّع الموقف والأكثر تكذيبا لموجة الإشاعات التي كانت تتلاطم من حولنا.. قالوا: إنّ القوّة العامّة تزداد بين الوقت والوقت بمئات العساكر لأنّ المطارد مجرم سياسيّ خطر.. فقال ذو الخمسين: لا يمكن لأنّ المجرمين السّياسيين لا يلوذون بالسراديب ليختفوا، هم أّذكى من أن يحصروا أنفسهم في الأماكن الضيقة.. وأشاعوا أنّّهم بدؤوا ينفثون غازاتهم حتّى إنّ بعض المختبئين معنا أغمي عليه ..فقال: ذو الخمسين لا يمكن ذلك لأنّ الغازات الخانقة مكلفة، ولا يمكن أن تضحّي الدّولة بالثروات الغازيّة من أجل حفنة من الجبناء الخائفين أمثالنا..

الصفحات