كتاب " الخطاب الديني في أهل الكتاب " ، تأليف قاسم أحمد عقلان ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب الخطاب الديني في أهل الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطاب الديني في أهل الكتاب
دلالة الآيات السابقة على بعض معانيها:
- معنى كلمة أمة:
- كل جماعة يجمعهم أمر ما، إما دين واحد, أو زمان واحد, أو مكان واحد, سواءٌ كان ذلك الأمر الذي يجمعهم ويوحدهم تسخيراً أو اختياراً, وجمعها أمم, قال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً(, أي صنفاً واحداً وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر, وكذلك في الهداية والإيمان، وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ(, أي جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم, وقوله: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(15, أي قائماً مقام جماعة وأمة في عبادة الله تعالى16.
1) تفيد الآية الأولى صراحة أن أهل الكتاب أمة واحدة عابدة لله تعالى، منذ أرسل الله إليهم رسله وأنزل كتابه وشرع لهم شريعته, وأنهم تقطعوا أمرهم الواحد, ودينهم وشرعتهم الواحدة, وقيادتهم الربانية الواحدة إلى أحزاب متشاكسة مختلفة متباينة, فمن عمل منهم الصالحات بحسب ما أنزل الله عليهم من كتاب؛ تقبل الله منه عمله, وكتب له عمله وسعيه الصالح عنده ليجازيه على أعماله الصالحات يوم القيامة.
2) وأفادة الآية الثانية صراحة أن كل أمة وجدت في الأرض منذ آدم، ونوح، وإبراهيم، وغيرهم حتى محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين, قد خصها الله بأن بعث فيها رسولاً من أنفسها ليدلهم على الحق ويبشرهم بما وعدهم الله في الدنيا والآخرة من السعادة والفوز العظيم, والأمن والحفظ والعصمة العامة, وأنه لا يقضى ويحكم على أي أمة يوم القيامة إلا حين يؤتى برسولهم الذي أرسله الله فيهم في دار التكليف، وذلك مثل اليهود لا يقضى بينهم حتى يؤتى برسولهم موسى عليه الصلاة والسلام وبقية الرسل بعده, ومثل النصارى لا يقضى بينهم حتى يأتيهم روح الله عيسى عليه وعلى سائر رسل الله الصلاة والسلام, وكذلك أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا يقضى بينهم إلا عند مجيء رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, فالرسل كافة هم الشهود المعدّلون عند ربهم، المعصومون من الجهل، والكذب, والنسيان, وتدل جميع الآيات على أن لكل رسول أمة وقوماً خصهم ربهم بإرسال رسول إليهم من بينهم وبلغتهم الخاصة بهم قطعاً, فهي أمم موجودة قائمة بالكتاب والشرعة التي خص الله رسولهم بها إلى يوم الدين يوم الحساب, وفصل القضاء بين جميع الأمم.
3) وتفيد الآية الثالثة أن الله حدّدّ لكل أمة أجلاً تموت فيه, ثم يرسل الله تعالى بعد وفاة تلك الأمة رسولاً آخر إلى أمة أخرى، هم الجيل الذي يولد وينشأ عقب وفاة الأمة التي قبلها، وما أشبه ذلك.
4) وأفادة الآية الرابعة أن الله خلق الناس جماعة واحدة مؤتلفة حتى أرسل رسله فيهم فوقع الإختلاف، لأسباب كثيرة إما دينية، أولغوية, أو اجتماعية, أو ثقافية, أو حضارية, أو أُسرية وعشائرية, ونحو ذلك.
5) وتدل الآية الخامسة أنه كان من قوم موسى عليه الصلاة والسلام أمة وجماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, ولا تزال هذه الجماعة قائمة مستمرة، لأن ذلك الخطاب أفاد أنها جماعة موجودة قائمة بذلك التكليف الحق العام في سائر الأزمنة، وبعض الأمكنة، والبقاع إلى قيام الساعة, فهم جماعة تقل أو تكثر متصفة بصفة العلم, والفقه, والحكمة, والعدل, وحفظ الدين الذي جاء به رسولهم موسى عليه الصلاة والسلام حتى المنتهى.
6) والآية السابقة دلت بصريح العبارة أن الحق سبحانه وتعالى جعل لكل رسول وأمته, شرعة ومنهاجاً خاصاً به وبقومه إلى نهاية الأزمنة، ولوكان أهل الكتاب مطالبون بشرعة الرسول الخاتم بكلياتها وجزئياتها؛ لماشرع لكل أمة شرعة وجعل لها منهاجاً خاصاً، وميزاناً خاصاً، ولأخبر أنهم مطالبون بتلك الشريعة كاملة طلباً صريحاً لا خفاء فيه ولاحتمال.
7) وأفادة الآية الثامنة أن ما وقع في الأرض من إرسال الرسل في أمة مخصوصة جرى بإرادة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، للبلوى بذلك, والآية التاسعة أكدت وجود أمم كثيرة مختلفة في بعض المُنَّزّل على الرسل كما قد تبين في مواضع أخرى, لأن الله أراد ذلك ليبتلي عباده بما أنزل عليهم من الكتاب والشرعة والمنهاج, كما أن الآية التاسعة دلّت بصريح العبارة أن هناك من الأمم السابقة من اختلفوا في الكتاب وبغى بعضهم على الآخرين بأنواع البغي والعدوان؛ القولي، والمادي، والجسدي, وأن الله تعالى قد هدى من آمن منهم بالله تعالى وبالكتاب المنزل وبالنبي المرسل إليهم, هَدَاهم للحق والعمل الصالح، بموجب ومقتضى المُنَّزّل إليهم وليس المُنَّزّل إلى غيرهم قطعاً، إلا فيما هو من قبيل العام، وليس المُنَّزّل على كل منهم خاصاً بهم, فإن من أهل الكتاب أمة على الحق والصراط المستقيم إلى يوم الدين.
8) وأفادة الآية الحادية عشرة, أن كل الرسل أرسلوا إلى قوم وأمة محددة معلومة، وأن كل من كان من أممهم مؤمناً بالله تعالى قائماً بالحق ثابتاً على الدين والشريعة يعدّون جميعاً أمة واحدة، فالجميع يلتقون عند دين وشرعة واحدة, ثم أخبر سبحانه أن تلك الأمة الواحدة المؤمنة بالله تعالى وقع فيها الإختلاف والإفتراق المذموم، وقد بيّنا بتفصيل ماهية هذا التحزّب والتقطيع للدين الحق المنزل على جميع رسله في مبحث مستقل.
9) وتفيد الآية الثانية عشرة, صراحة أن كل أمة جعل الله لها منسكاً خاصاً بها لأداء العبادات والشعائر التعبدية, مثل أمة محمد عليه الصلاة والسلام جعل لها منسكاً خاصاً بها هو مكة المكرمة, وجعل لبني إسرائيل منسكاً خاصاً بهم, هو بيت المقدس, وبيت لحم ، وما أشبه ذلك.
10) وأفادة الآية الثالثة عشرة صراحة, أنه سبحانه وتعالى قد جعل من هذه الأمة المحمدية شهودا،ً وهم العلماء الربانيون الوارثون لعلم رسولهم محمد عليه الصلاة والسلام، المؤهلون لأداء الشهادة.
11) كما أفادة الآية الرابعة عشرة صراحة وجوب أن يكون في هذه الأمة المحمدية جماعة تنفر لتتعلم العلم وتتخصص في فقه الدين والشريعة, والدعوة والنذارة والبيان, نيابة عن الرسول الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام بعد وفاته حتى نهاية الأمر، بقيام الساعة.
• مفهوم الآية: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(17.
- تفيد هذه الآيات بصريح اللفظ ودلالة التطابق على عموم مفهوم الدين الذي أنزله الله تعالى على جميع الرسل, وخاصة محمد عليه الصلاة والسلام, ثم من قبله, إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب, والأسباط وهم اثني عشر من بني إسرائيل، وموسى، وعيسى, وكل نبي نزل الوحي عليه من ربه, عليهم الصلاة والسلام أجمعين, فكل ما أوحي به إلى أولئك الرسل والنبيين عموماً, وثبت وجوده في زمان ومكان مخصوص؛ فهو دين يدخل في مفهوم عموم اسم الدين الحق العام في جميع المكلفين قطعاً, إلا ما جاء الوحي بنسخه، أو تخصيصه، أو تقييده, فيكون مخاطباً به خصوص أعيان مكلفين محددين.
- ويدل على أن معنى الآية الإستسلام لله تعالى مطلقاً، واتباع عموم ملة إبراهيم عليه السلام، هذه الآية:
- (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (النساء125.