كتاب " الخطاب الديني في أهل الكتاب " ، تأليف قاسم أحمد عقلان ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب الخطاب الديني في أهل الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطاب الديني في أهل الكتاب
• كما أن الحديث ليس فيه النهي عن التحالفات والموالآت ، التي تكون بين أتباع رسوله الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام وبين أتباع رسله الكرام والتي تبرم لتحقيق مصالح مشتركة مطلقاً, كمصلحة منافع الأبدان عموماً, ومصالح الأمن والإستقرار مطلقاً, وما أشبه ذلك من أسباب منافع الأبدان ونحوها, لأن النهي في الحديث هو الإجتماع، فإذا زال الإجتماع فلا نهي, أي أن وجود أمتين ذات دينين مختلفين في الجزئيآت والفرعيات في جزيرة العرب، هو السبب والعلّة والوصف، الذي يترتب عن وجوده وجود حكم النهي, وبعدم وجوده عدم وجود حكم النهي, حسب القاعدة العامة السابقة, لأن الحق سبحانه وتعالى جعل جزيرة العرب بلاداً وأرضاً ومكاناً خاصاً بأمة محمد عليه الصلاة والسلام، كما جعل الأرض المقدسة بالشام بلاداً ومكاناً خاصاً بأمة بني إسرائيل، فلا يصلح أن تكون الرئاسة والزعامة الدينية والدنيوية في أرض جزيرة العرب لغير أمته عليه الصلاة والسلام, كما لا يصلح أن تكون الرئاسة والزعامة الدينية والدنيوية في الأرض المقدسة لغير بني إسرائيل حتى نهاية الأزمنة، بدليل الحديث السابق, وبدلالة الإلتزام العقلية، وغيره من الأدلة كما تبين في مواضعه, ويفيد الحديث: (لا يتوارث أهل ملّتين), بصريح العبارة عدم صحة التوارث بين أهل ملتين مطلقاً, لأن التوريث أو التوارث من قبيل الجزئيآت وليس الأصول العامة, وإن كان في القضية عموم وخصوص, فالحديث فيه بيان حقيقة قضية الإرث مبيّنة مفصلّّة في كل ملّة على حدة، منها ما هو عام مطرد فيها جميعاً, ومنها جزئيآت محل اختلاف، فيها العام، وفيها الخاص قطعاً ويستثنى من هذا العموم الزوجين.
• ولما كان قضيّة الإرث محل اختلاف؛ منع الشارع التوارث بين المختلفين في الملّة، لسبب اختلاف التقادير في الأنصباء, أو في الأسباب، والشروط، والموانع في الإرث، والتوريث مطلقاً, وأيضاً كي تكون أسباب مصالح ومنافع الأبدان مرتبطة بالشرعة الإلهية وبالأمة والجماعة، التي تنتسب إليها ولاءً وبراءً، فإن كل أمة ذات ملّة ربانية يكون من أسباب ألفتها ووحدتها وقوتها سبب الإرث وانتقال الأموال، إذ لا يصلح عقلاً وشرعاً وعرفاً أن يحصل انتقال الأموال والأملاك وعموم المنافع المالية، بين من هم مختلفين في انتماءاتهم الدينية, كاليهود والنصارى, أو اليهود والمسلمين أتباع رسوله الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، فمصالح الأبدان تبع لمصالح العقول والأرواح، والقلوب قطعاً، في المقاصد والمصالح الكلية العامة والضرورية الست.
• قاعدة: كل حكم شرعي لا بد له من سبب شرعي مخصوص به, كإباحة وطء المرأة؛ حكم لابد له من سبب يبيحه, وهو عقد الوطء مطلقاً، بأي نوع من أنواع عقود الوطء المعتبرة.
• قاعدة: قد ينصب الشارع خصوص عين الشيء سبباً, كالزوال ؛ سبباً لوجوب صلاة الظهر, ورؤية الهلال؛ سبباً لوجوب الصوم, والقتل العمد العدوان ؛ سبباً للقصاص, والقذف العمد العدوان ؛ سبباً لوجوب الجلد مئة جلدة, وإسقاط العدالة.
- مفهوم قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً * مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَـدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً(32.
- هاتان الآيتان مما أشكل فهمهما على المفسرين, وبخاصة كبار علمائهم المحققين منهم, ومنهم أبو بكر بن العربي, والجصاص, فلم نجد لهم بيان يشفي العليل, ويروي الضامي, والتحقيق: أن هذه الآيات سيقت لبيان عدة معان من أهمها, ما يأتي:
1. أخبر الله تعالى رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أنه مرسل من لديه بالحق, وأنه عزوجل قد ضمن وكفل بأن يجعل ما أنزله عليه من الدين, هو الحق الذي يظهر على كل دين أنزله على من قبله من الرسل, فهو الدين الآخر الذي يظهره الله, كي يظهر به أيضاً ما خفي من الدين المنـزل مطلقاً, ويبين قبله، ويفصل ما أجمل منه, أو أبهُم, بحيث لا تقوم الساعة إلا وقد صار ماهية الدين المنـزل على محمد عليه الصلاة والسلام ظاهراً لكافة الناس, أهل الشأن المؤهلين لسماعه وفهمه إجمالاً, أو تفصيلاً, وليس في الآية ما يدل على أن الظهور في دين محمد عليه الصلاة والسلام يقتضى عدم ظهور دين من سبقه, كون مفهوم الدين عام كلي, ويدل على معنى كل, كما هو مبين, كما لا يدل النص على أن الدين المنـزل على رسول الله الخاتم محمدعليه الصلاة والسلام, عندما يتحقق ما وعد الله به من إظهاره, يتلاشا ويزول ما سواه, أو يختفي, ونحو ذلك, فالظهور الذي صرح بمعناه في آيات أخرى إنما هو: البيان, والتخصيص, والتقييد, أو التفصيل, أو النسخ, وما شابه ذلك, باعتباره حديث عهد بالنـزول, وتوفر فيه أسباب الحفظ في أعلى مراتبها, بخلاف ما سبقه, فقد جرى حفظه في أدني أسباب الحفظ, وكاد ينعدم من الوجود أصل الخطاب بلغته الأصلية المنـزل بها على أقوامه المخصوصين.
2. كما يدل الخطاب صراحة أن الدين الخاتم إذا تحقق فيه صفة الظهور, ووقع وعد الله بإظهاره على سائر الأديان, سيوجد في الناس نوع مخصوص, هم الذين سيكرهون ظهور هذا الدين الخاتم, وأن من سواهم سيكونون في جملة عموم المؤمنين بالله, ورسله, وكتبه, ويدل الخطاب بمفهوم المخالفة, أن من عدا أولئك القوم المشركين, لن يكره ظهور هذا الدين, قطعاً, بل سيفرح ويسر بظهوره, لأن ظهوره على ما هو عليه مراد عند الله, في الواقع, إنما هو ظهور لمفهوم الدين الحق الثابت في عموم الكتب المنـزلة من عند الله، والتي حصل لها ما حصل من التحريف, والسهو, والنسيان, ونحو ذلك, فهو ظهور للدين الحق كماهية محددة معلومة عند منـزله سبحانه وتعالى, وإن وجد في الواقع ما يخالف في شيءٍ مما هو الحق المتصور عند الله, المحفوظ لديه في أم الكتاب, أو ما هو موجود في كتب أهل الكتاب فعلاً, إلا أنه صعبَ فْهمه كونه أنزل أول الأمر بلسان قوم مخصوصين, ولما طال الزمان وتغيرت الألسنة, واللهجات, والمناهج , وقع للناس الأتباع الإشكال في اختلاف لسانهم, ولهجاتهم, ومناهج فهمهم ومعارفهم, وما شابه ذلك, فكان المنـزل للرسول عليه الصلاة والسلام مظهر لمطلق المنـزل على الرسل قبله, الموصوف بالحق المبين, الذي أظهره الله با لإعجا ز والتحدي العام الشامل في سائر أفراد اسم جنس الإعجاز البياني, والعلمي, والدلالي, والإشاري, والموضوعي, ونحوه من أنواع أفراد مسمى المعجزة ،وتدل الآية صراحة أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام سيكون في قومه وأتباعه في زمن حياته رجالاً ونساءً, مؤمنين عابدين خاشعين, ليسوا من عامة قومه الذين هم ليس لهم دين سابق, بل ممن بعث إليهم الرسول عليه الصلاة والسلام وأظهر ما عند هم من الدين الحق, المنـزل على الرسل قبله, وهم بعض النصارى, وبعض اليهود, قطعاً, لأنه وصفهم بأنهم مذكورين في كتاب الله التوراة والإنجيل, بأوصاف محددة, هي التي وردت بنص الخطاب القرآني في هذه الآيات, وبدليل ما قرره فيهم بقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً(33, أي أولئك الأفراد المذكورين أول الخطاب, بأنهم سيكونون معه, ومن خيار أصحابه وإخوانه الرحماء, والأشداء على من بغي عليهم, وقد كان من هؤلاء عبد الله بن سلام, وغيره كثير, ممن تابع الرسول الخاتم محمد, واقتدى به, وأحبه, وآخاه, وناصره, وآواه, وهو معنى يشمل كل مؤمن بالله في الأرض, فعل نفس ما فعلوه, حتى قيام الساعة.